الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 04 أغسطس 2025 - 10 صفر 1447هـ

نصائح وضوابط إصلاحية (54)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

مرتكزات وآليات عملية التوريث الدعوي:

فلا بد أن ندرك أن عملية التوريث الدعوي ليست عملية عشوائية، بل هي عملية لها أُسس وآليات؛ فهي عملية ترتكز على ثلاثة مرتكزات:

1- موَّرِث (المسؤول العامل الحامل للمنهج الإصلاحي).

2- الوارث (المرشَّح لحمل المنهج الإصلاحي والعمل على نشره).

3- الميراث (المنهج الإصلاحي ذاته، وآليات وخبرات نشره وتطبيقه، والتي تحتاج -بلا شك- إلى توريث للمهارات والعلاقات).

وهذه المرتكزات الثلاثة التي تُبنى عليها عملية التوريث الدعوي يُحتاج معها إلى الاهتمام بتفعيل الآليات المتاحة عبر ممارسة عملية من الموَّرِث تجاه الوارث؛ لإكسابه الميراث المطلوب، تحقيقًا للهدف المنشود نحو استمرارية المسار الإصلاحي.

التوريث الدعوي وأثر فتح المسارات الإصلاحية أمام الأجيال:

يعد الاهتمام من القيادات بالتوريث الدعوي آكد معالم التميُّز والإخلاص في الشخصيات القيادية؛ فحرصك على التوريث الدعوي يلزمك أن تكون سببًا في تقوية مَن بعدك وتقديمه أمامك لغيرك، مع عدم وجود غضاضة في النفس من الاعتراف بتفوق مَن قدَّمته أنت عليك، كما قال الراهب للغلام: (أَيْ بُنَيَّ، أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ ‌مِنِّي) (رواه مسلم).

وهذا -لا شك- يحتاج إلى قلوب مخمومة، وأهل احتساب صادق، وأصحاب همٍّ إصلاحي حقيقي، يدفعهم لحسن اكتشاف الطاقات وبناء الكوادر، وفتح المسارات والمجالات أمام الكفاءات، وتقديمهم ودعمهم حتى يشتد عودهم، ويقومون بأدوارهم كما ينبغي عبر منظومة من العمل المنظَّم الذي يستلزم بناء فِرَق عمل ناجحة قادرة على ضمان الاستمرارية.

وسبحان الله! دائمًا نجد القاعدة المستقرة: "الجزاء من جنس العمل"، تتجلَّى مع مثل هذا السلوك الإيجابي؛ فنجد هؤلاء القادة الذين يهتمون بمثل هذه المسار التوريثي الإصلاحي يكونون دائمًا محط تقديم وتقدير وإجلال من الجميع في حياتهم، ويظل ذكرهم الحسن مستمر بعد موتهم مع ما يحصلونه من ديمومة أجرهم.

المعايشة الدعوية والتربوية:

نقصد بالمعايشة الدعوية والتربوية: تلك العلاقة الموجَّهة بين المسئول الموَّرِث والعضو الوارث، والتي تقوم على القُرب والاحتكاك المباشر، والاتصال القوي الذي يهدف إلى التوجيه العملي السلوكي والتربوي والمهاري للعضو الوارث، مع إكسابه للخبرات المطلوبة لاستمرارية التأثير للمنهج الإصلاحي المنشود.

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعتمد اعتمادًا كبيرًا على خاصية (المعايشة) في الاتصال بأصحابه -رضوان الله عليهم- ومعرفة خصائصهم، وأحوالهم الإيمانية، والاجتماعية، والعلمية، وقدراتهم العملية وما يميزهم وما يعيبهم، فيوجَّههم من خلالها لما يُصلحهم، وما يمكن الاستفادة منهم فيه في صلاح حال الأمة.

ومن شواهد معايشته -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: معايشتهم في بناء المسجد، ومعايشتهم في حفر الخندق، ومعايشتهم في أفراحهم وأحزانهم، وفي مشاكلهم الاجتماعية والأسرية، ففي حديث أنس رضي الله عنه قال: "إِنْ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ‌لَيُخَالِطُنَا ‌حَتَّى ‌يَقُولَ ‌لِأَخٍ ‌لِي ‌صَغِيرٍ: ‌يَا ‌أَبَا ‌عُمَيْرٍ، ‌مَا ‌فَعَلَ ‌النُّغَيْرُ؟" (متفق عليه).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.