كتبه/ أحمد مسعود الفقي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) (الحشر: 20).
لا يستوي الفريقان في الفضل والرتبة؛ أي: لا يستوي الذين استكملوا نفوسهم فاستأهَلوا الجنة، والذين استمهَنوا نفوسهم، أي: استعملوها في المِهنة والشهوات، فاستحقُّوا النار، ثم أخبر -سبحانه وتعالى- عن أصحاب الجنة بعد نفي التساوي بينهم وبين أهل النار، فقال: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) أي: الظافرون بكل مطلوب، الناجون من كل مكروه، وفي الآية تنبيه للناس وإيذان بأنهم لفرط غفلتهم، وقِلَّة فكرهم في العاقبة، وتهالكهم على إيثار العاجلة، واتباع الشهوات، كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار والبون العظيم بين أصحابهما، وأن الفوز العظيم مع أصحاب الجنة، والعذاب الأليم مع أصحاب النار فمن حقهم أن يعلموا ذلك ويُنبَّهوا عليه.
وقال الله -تعالى-: (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (الملك: 22).
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: "هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالكافر مثله فيما هو فيه، كمثل من يمشي مُكِبًّا على وجهه، أي: يمشي منحنيًا لا مستويًا على وجهه، أي: لا يدري أين يسلك، ولا كيف يذهب، بل هو تائه حائر ضال، أهذا أهدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا أي: منتصِب القامة عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، أي: على طريق واضح بيِّن، وهو في نفسه مستقيم وطريقه مستقيمة، هذا مثلهم في الدنيا، وكذلك يكونون في الآخرة، فالمؤمن يُحشَر يمشي سويًّا على صراط مستقيم... وأما الكافر فإنه يُحشَر يمشي على وجهه إلى النار" (تفسير ابن كثير).
وفي الآية أن مَن تخبَّط في السُّبُل على غير هدى لم يبلغ غايته مهما بذل، ومن سار على بصيرة من ربه، بلغ الغاية ولو طال الأجل، وفيها أيضًا أن حياة الإيمان فيها القصد والاستقامة واليُسر، وحياة الكفر فيها التعثُّر والضلال والعُسر، والعجب كل العجب ممن يختار الكفر على الإيمان، أو يُسوِّي بينهما.
وقال -تعالى-: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ) (السجدة: 18).
قال السعدي في تفسيره: "(أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا) قد عَمَّر قلبه بالإيمان، وانقادت جوارحه لشرائعه، واقتضى إيمانه آثاره وموجِباته، من ترك مساخط اللّه، (كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا) قد خَرَّب قلبه، وتعطَّل من الإيمان، فلم يكن فيه وازع ديني، فأسرعت جوارحه بموجِبات الجهل والظلم، من كل إثم ومعصية، وخرج بفسقه عن طاعة الله؛ أفيستوي هذان الشخصان؟ (لَا يَسْتَوُونَ) عقلاً وشرعًا، كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلمة، وكذلك لا يستوي ثوابهما في الآخرة".
فلم يستويا في الدنيا بالطاعة والعبادة؛ فكيف يستويان في الآخرة بالثواب والكرامة؟!
فالطاعة والمعصية هما أساس رِفعة الإنسان أو ضِعَته في ميزان الشرع، فلا سواء بين مؤمن وفاسق، ومسلم وكافر.
والله -عز وجل- وعد المؤمنين بالحياة الطيبة السعيدة، فقال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97)، وفي المقابل توعَّد الكفار بحياة الضنك والضيق، أي: ضنكًا في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حَرِج لضلاله، وإن تنعَّم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه: 124).
هذا ونسأل الله العظيم أن يتوب علينا ويهدينا سواء السبيل.
وللحديث بقية -بإذن الله-.