من أنواع النعم في سورة النحل.. نعمة بعث النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- (2)
كتبه/ وائل عبد القادر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
قال -تعالى-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ . وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) (النحل: 112، 113).
قال الإمام الطبري -رحمه الله-: "يقول الله -تعالى ذكره-: ومثَّل الله مثلًا لمكة التي سكانها أهل الشرك بالله، هي القرية التي كانت آمنة مطمئنة، وكان أمنها أن العرب كانت تَتَعادَى، ويَقْتُل بعضها بعضًا، ويَسْبِي بعضها بعضًا، وأهل مكة لا يُغَار عليهم، ولا يُحَارَبُون في بلدهم، فذلك كان أمنها. وقوله: (مُطْمَئِنَّةً) يعني قارة بأهلها، لا يحتاج أهلها إلى النُّجْعِ -أي: المذهب في طلب الكلأ- كما كان سكان البوادي يحتاجون إليه، (يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا) يقول: تأتي أهلها معايشهم واسعة كثيرة. وقوله: (مِنْ كُلِّ مَكَانٍ) يعني: من كل فَجٍّ من فجاج هذه القرية، ومن كل ناحية فيها" (تفسير الطبري).
ثم قال -رحمه الله-: "القول في تأويل قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ?لْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ): يقول -تعالى ذكره-: ولقد جاء أهل هذه القرية التي وصف الله صفَتها في هذه الآية التي قبل هذه الآية، (رَسُولٌ مِنْهُمْ) يقول: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم، يقول: من أنفسهم يعرفونه، ويعرفون نسبه وصدق لهجته، يدعوهم إلى الحق، وإلى طريق مستقيم، (فَكَذَّبُوهُ) ولم يقبلوا منه ما جاءهم به من عند الله. (فَأَخَذَهُمُ ?لْعَذَابُ) وذلك لباس الجوع والخوف، مكان الأمن والطمأنينة والرزق الواسع الذي كان قبل ذلك يرزقونه، وقتل بالسيف، (وَهُمْ ظَالِمُونَ) يقول: وهم مشركون؛ وذلك أنه قتل عظماؤهم يوم بدر بالسيف على الشرك".
فعلى هذا -عباد الله- ينبغي للمسلم أن يستشعر عظم هذه النعمة التي امتن الله -تعالى- بها علينا من إرسال رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بجميل الصفات وعظيم الأخلاق؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم.
قال الله -تعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (آل عمران: 164).
فشكر هذه النعمة يستوجب متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- والانقياد لشرعه وطريقته، وإعلان محبته، والذب عن سنته، والتأسي به في أخلاقه وسمته.
فصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.