كتبه/ طلعت مرزوق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالسَّلَف هم الصحابة، والتابعون، وتابعوهم مِن أهل القرون الخيرية، التي أشار إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) (متفق عليه).
فالسلف هم أهل القرون الخيرية الثلاثة الأُوَل، عدا أهل البدع: كالخوارج، والمعتزلة، والقدرية، والجهمية، وغيرهم.
والسلفيون هم الذين يعتقدون مُعْتَقَد السلف الصالح، وينتهجون نهجهم في فَهْم القرآن والسُّنَّة، والعمل بهما، ويُطلق عليهم أهل السُّنَّة والجماعة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) (رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني). وفي رواية: (وَهِيَ الْجَمَاعَةُ) (رواه الحاكم، وحسَّنه ابن حجر).
ويُطلق عليهم أيضًا أهل الحديث، والطائفة المنصورة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ) (متفق عليه).
والخلاف في الأمة واقعٌ قَدَرًا، ونحن مأمورون بإزالته شَرْعًا. ومَن قال: إن الثنتين وسبعين فرقة كل واحدٍ منهم يكفر كفرًا ينقل عن الملة؛ فقد خالف الكتاب والسُّنَّة وإجماع الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-، بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة. (مجموع الفتاوى).
والسلفية ليست جماعة معاصرة بعينها، ولا حزبًا، وليست الإسلام بفَهْم شيخ معين، بل هي فَهْم الدين، والعمل به، كما فهمه الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعون، وعملوا به.
والمقصود بفَهْم السلف: أصول العقائد، والأحكام، ومنهج التلقِّي والاستدلال والتطبيق، وكل هذا مُجْمَعٌ عليه، لا خلاف بين سلف الأمة فيه.
والسلفيون لا يقولون بعصمة أحدٍ مِن الناس بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل المعصوم هو المنهج.
فإذا كان ذلك كذلك؛ فلماذا اسم السلفي؟ ألا يكفي اسم المسلم لقول الله -عزَّ وجلَّ-: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) (الحج: 78)؟ بلى، كان يكفي عندما كان المسلمون جماعة واحدة، على اعتقادٍ واحدٍ، وفَهْمٍ واحدٍ للقرآن والسُّنَّة، رغم ظهور أفرادٍ مِن المبتدعة، أما اليوم، وقد انتشرت البدع، وعاد الإسلام غريبًا (بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) (رواه مسلم)؛ فلا يسعنا إلا التميُّز.
واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق، وإن كان وحده؛ قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "الْجَمَاعَةُ مَا وَافَقَ الْحَقَّ وَإِنْ كُنْتَ وَحْدَكَ".
قواعد المنهج السلفي:
(تقديم النقل على العقل - رفض التأويل الكلامي - كثرة الاستدلال بالقرآن والسُّنَّة).
- فالنقل الصحيح لا يتعارض أبدًا مع عَقْلٍ صَرِيح، وإن وُجِدَ فهو في الذهن، لا في الحقيقة، وينبغي إزالته بسؤال أهل العلم؛ فأهل السُّنَّة لا يلغون العقل، بل يستخدمونه فيما خُلِقَ له، وفي فَهْم النصوص الشرعية بفَهْم السلف الصالح؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) (الحجرات: 1).
وقال سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ -رضي الله عنه-: "يا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَرَدَدْتُهُ" (متفق عليه). وقال عليٌّ -رضي الله عنه-: "لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ (رواه أحمد وأبو داود، وصححه ابن حجر والألباني).
- والتأويل المرفوض عند السلف، هو: صَرْف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر مرجوح بغير دليل.
والأصل في دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- للمشركين هو القرآن، مع عدم إيمانهم به، (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) (الفرقان: 52). ولا بأس بعد ذلك مِن دراسة ما عند المخالفين مِن أصولٍ ونقضها بالعقل الصريح، الموافق للنقل الصحيح؛ بيد أن المبتدعة يؤصلون القواعد، ثم ينظرون في القرآن والسُّنَّة فما وافق بدعتهم قالوا به، وما خالفها قاموا بتأويله، وصَرْفِه عن ظاهره.
الأصول العلمية للمنهج السلفي:
(التوحيد - الاتباع - التزكية).
- فالتوحيد هو أَوَّلُ واجبٍ على العبيد هو التوحيد؛ هذا منهج الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَ?هَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 25). وقال -تعالى- حكاية عن أنبيائه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَ?هٍ غَيْرُهُ) (هود: 50). ولَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مُعَاذًا نَحْوَ الْيَمَنِ قال له: (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى) (متفق عليه).
لذلك يقول السلفيون: كلمة التوحيد، قبل توحيد الكلمة.
- ومع توحيد الله -عز وجل-، يلزم اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال الله -تعالى-: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) (النساء: 80)، وقال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: 7). وفي الحديث: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
وعكس الاتباع: الابتداع، والبدعة طريقة في الدين مُخْتَرَعَة، تُضَاهِي الطريقة الشرعية يُقْصَد بها المبالغة في التعبُّد لله. وكل أئمة السلف على وجوب اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعدم جواز مخالفته، ومنهم الأئمة الأربعة، وغيرهم مِمَّن تبعهم بإحسانٍ مِن الخلف.
- أما الأصل الثالث فهو تزكية النفوس؛ قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) (الجمعة: 2)، وقال: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) (الشمس: 9). والتزكية عند السلف بالتوحيد، ثم أداء الواجبات، ثم النوافل. وفي الحديث: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) (رواه البخاري).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.