كتبه/ ساري مراجع الصنقري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد يُنكِرُ علينا بعضُ النَّاسِ -في جهارةٍ وجراءةٍ- حفاوتَنا بِلُغتِنا الجميلةِ، وإجلالَنا لها، ودفاعَنا عنها!
فلو أنّ هؤلاء المُنكِرين علا فِكرُهم وسمَا ذَوقُهم لَعلِموا أنّ لُغتَنا العربيَّةَ هي ماضينا التَّلِيدُ السَّامي، المَوصولُ بحاضرِنا الجَادّ، المُتطلِّعُ إلى مُستقبلِنا المُشرِق، وبوَصفِها لُغةَ علمٍ وأدبٍ وحضارةٍ فإنَّها لها الهَيمنةُ والتَّحَكُّمُ في لُغاتِ العالَمِ المُعاصِرة، والتَّعبيرُ عنها في جميعِ مجالاتِ العِلْمِ والحضارة.
لذلك ينبغي أن تَعلمَ -عزيزيَ القارئَ- أنّ لُغتَنا في عصرِنا هذا لا تبدأُ مِن الفراغ، وإنَّما -كما قال علّامةُ اللُّغةِ الأديبُ د. مهدي علام (1900م - 1992م)-: (لُغتُنا -في هذا العصر- لا تبدأُ مِن فراغٍ، وإنَّما تستعيدُ حيَويَّتَها، وتَسترِدُّ مكانتَها، وتَستأنفُ مَسيرتَها الحضاريَّةَ، فمَجدُها الحاضرُ المُعاصِرُ يَضربُ بجُذورِه في أعماقِ ماضٍ مَجيدٍ؛ إنَّها أعرقُ لُغةٍ ظلَّت حيَّةً على مدى حِقْبةٍ مُتواصِلةٍ، لَم تَعِشْ مِثْلَها أيَّةُ لُغةٍ أخرى مهما كانت قديمةً).
وهذا الذي أذكرُه ليس تَعصُّبًا لِلعربيَّةِ، وإنَّما هو مِن بابِ الإنصافِ، الذي اتَّفَقْنا عليه مِن البداية، وأرجو أن يكونَ خُلُقَنا حتى النِّهاية.
ويَشهَدُ على هذا المستشرقون أَنْفُسُهم، ومِن ذلك شَهادةُ المُستشرِقَةِ الألمانيَّةِ زيغريد هونكه (1913م - 1999م) في كتابِها: "شمس العرب تسطع على الغرب"، الذي صدر في بداياتِ ستينيّاتِ القرن الماضي، قالت: (لقد أصبحت العربيَّةُ لُغةَ العالَمِ وَحْدَهَا، لا تُنازِعُها تلك المَكانةَ أيُّ لُغةٍ أخرى. لقد استطاعت العربيَّةُ استيعابَ جميعِ العُلومِ التي بَلَغَتْها الحضاراتُ التي سبَقَتْها، مُضِيفةً إليها عُلومًا جديدةً، بمُصطلَحاتٍ ومَفاهِيمَ جديدةٍ. وفيها كانت تُؤلَّفُ الكُتبُ، وبها يَتحدَّثُ العُلماءُ، ويُدِيرُونَ الحِوَاراتِ فيما بينهم مهما اختلَفَتْ أُصُولُهم).
ومِن إنصافِ زيغريد قالت: (صمَّمتُ على كتابةِ هذا المُؤلَّف، وأردتُ أن أكرمَ العبقريَّةَ العربيَّةَ وأتيحَ لِمواطنيّ فُرصةَ العَودةِ إلى تكريمِها، كما أردتُ أن أُقدِّمَ لِلعربِ الشُّكرَ على فَضلِهم، الذي حرَمهم مِن سماعِه -طويلًا- تَعصُّبٌ دينيٌّ أعمى، وجهلٌ أحمق).
فسنَظَلُّ نَفتخِرُ بتاريخِ لُغتِنا الضَّاربِ في أعماقِ الزَّمن، وآثارِها الباقيةِ على مَرِّ العُصُور، وقِيَمِهَا التي أثَّرَتْ -وستَظَلُّ تُؤثِّرُ- في غيرِها مِن الحضارات.
ولَكِنْ ينبغي أن نَسألَ أَنْفُسَنا: كيف نحن الآن؟ وماذا نُرِيدُ أن نكونَ؟
وإلى اللِّقاءِ في مقالٍ آخَر -بإذنِ الله-.
واللهُ المُوفِّق.