الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 06 مايو 2025 - 8 ذو القعدة 1446هـ

نعوذ بالله من جار السوء

كتبه/ عبد العزيز خير الدين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن من أشد أنواع الابتلاءات أن يَبتَليكَ الله بجار لا يَعرِفُ للجوار حقه، سليط اللسان، يَبحَثُ عن السرائر فينشرها، وعن الصغائر ليكبرها، يَفرَحُ في إزعاج الآخرين، ولا يَهدَأُ لفرحهم، مكروه عند اللقاء، ويُضاقُ به الصدر إذا تَمَّ ذكره؛ لا يُؤتَمَنُ على أمانة، ولا يُرجَى منه السلامة، يَتتبَّعُ العثرات، ويَتطلَّعُ إلى العورات في سره وجهره، وليس بمأمون على دين ولا نفس ولا أهل ولا مال.

وقد جاء في الحديث الشريف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتعوذ بالله من جار السوء في دار المقامة؛ أي: الذي يجاورك في مكان ثابت، وقد يصل الحال بالجار أن يَترُكَ بيته أو يَبيعَه بسبب هذا الجار السيئ، رغم ما تكلَّف فيه من عناء وبحث وإقامة؛ قال ثوبان -رضي الله عنه-: "مَا مِنْ جَارٍ يَظْلِمُ جَارَهُ وَيَقْهَرُهُ، حَتَّى يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ، إِلَّا هَلَكَ" (رواه البخاري في الأدب المفرد).

أخي القارئ: كان العرب في الجاهلية والإسلام يَتفاخَرونَ بحسن الجوار، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار.

فعار عليك -أيها المسلم- أن تَبيتَ شبعانًا، وجارك جائع، وأن تَلبَسَ الجديد وتَبخَلَ بما أبليتَ من ثيابك على عراة الجيران، وأن تَتمتَّعَ بالطيبات من مشموم ومطعوم وجيرانك يَشتَهونَ العظام وكسر الطعام.

فإذا عَجَزتَ عن برِّ جارك أو الإحسان إليه والاعتراف بفضله؛ فكُفَّ أذَاكَ عنه ولا تَضُرَّه، ودَعه يَستريحُ في منزله، وإذا دعاك فأجبه، وإن استشارك فأشِر عليه، وإذا كان مظلومًا فانصره، أو ظالمًا فاقبض على يديه، وإن أحسن فاشكره، وإن أساء فاعفُ عنه، وإن ارتكب الفساد فلا تَقرَهُ عليه.

وهناك مفهوم خاطئ عند كثيرٍ من الناس في فهم العبودية لله -عز وجل-؛ فيعتقد بعضهم أن العبادة هي صلاة وصيام وحج لبيت الله الحرام، والجلوس في المسجد، وفقط!

نعم، هذه كلها من العبادة لله، لكن الله أمرنا أن نُحسِنَ إلى خلقه، ولا نَظلِمَهم؛ لأن التجاوز في حقهم وإيذاءهم عصيان لله -تعالى-، كما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةً تُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا ‌تُؤْذِي ‌جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا. قَالَ: (هِيَ فِي النَّارِ). قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةً تُذْكَرُ قِلَّةَ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ وَلَا ‌تؤذي ‌جِيرَانَهَا. قَالَ: (هِيَ فِي الْجَنَّةِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

فلنُحسِن إلى جيراننا، ولنَعرِف حقوقَهم، فهم وصية الله لنا، ووصية جبريل للحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-، والمسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده.