كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الضابط الرابع: تحقيق الشمولية في العمل الإصلاحي المؤسسي:
من أعظم أسباب قوة أي كيان إصلاحي وفَلاحِه: قدرته على شمولية التأثير والإصلاح في المجتمع، والدفع في كلِّ أوجه الخير المتاحة في المجتمع، كما قال -تعالى- في بيان صفات أهل الفلاح: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104).
فالدعوة للخير هنا تشمل كلَّ مَن يمكن أن تتوجه الدعوة إليه، والألف واللام في كلمة (الخير) تفيد الاستغراق، فتشمل كل أوجه الخير الممكنة؛ وهذا أعظم ما يميز العمل في كيانٍ عن العمل الفردي -كما بيَّنَّا سابقًا-.
والحقيقة: أن مفهوم الشمولية في العمل الإصلاحي أمر لازم لتحقيق مفهوم شمولية العبودية المنشودة من أي عمل إصلاحي مؤسسي؛ فالعبودية كما عرَّفها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هي: "كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، الباطنة والظاهرة"، لكن تحقيق هذه الشمولية المنشودة يحتاج إلى كثيرٍ من الإعداد والجهد، والتنوع المتكامل في المجالات والمهارات، والتخصصات والأعمال.
مستلزمات مفهوم الشمولية:
الشمولية اللازمة لتحقيق مفهوم شمولية العبودية -التي هي غاية العمل عند الكيانات الإصلاحية-، تستلزم أمرين:
الأمر الأول: تنوع مجالات العمل المستهدف داخل الكيان الإصلاحي من حيث:
(1) الجانب البنائي للأفراد العاملين داخل المؤسسة:
تُعدُّ شمولية بناء الشخصية لأفراد أي كيان إصلاحي أو مؤسسة إصلاحية -لا سيما الكادر منهم- هي أحد مرتكزات قوة الكيان أو المؤسسة، والتي تستلزم عمل برامج بنائية متكاملة داخل المؤسسة لكل أفرادها وَفْقًا لمستوياتهم الإدارية المختلفة، على أن تشتمل على جميع الجوانب اللازمة لبناء الشخصية السوية النافعة من خلال تكامل برامج الإعداد الخاصة بـ(الجانب الإيماني التعبدي - الجانب السلوكي الأخلاقي - الجانب العقدي الفكري - الجانب العلمي المعرفي - الجانب المهاري الوظيفي) بما يضمن تحصيل الحد اللازم وجوده في شخصية الفرد المصلح.
(2) الجانب الانتشاري في المجتمع:
الانتشار هو أحد عوامل سرعة التأثير الإصلاحي في المجتمع، وهو يتطلب مراعاة عِدَّة أمور:
- تنوع الأنشطة الإصلاحية، والخدمات المجتمعية المفيدة والنافعة لطبقات المجتمع المختلفة: حيث يجب أن تتوجه أنشطة الكيان الإصلاحي إلى جميع طبقات المجتمع على اختلاف أعمارهم أو أنواعهم؛ ونعني بذلك -على سبيل المثال-: (الأبناء والبنات - الشباب والفتيات - الرجال والنساء - الفقراء والأغنياء - رجال الأعمال والوجهاء - الحرفيين والمهنيين - أصحاب المناصب والتأثير - إلخ).
مع الحذر كل الحذر من التقوقع الداخلي داخل الكيان، أو الاقتصار على استهداف أفراد الكيان فقط بالأنشطة أو بالخدمات المجتمعية -تحت ضغط الواقع أو وجود عوائق وممانعات من بعض هذه الطبقات؛ بسبب التخوفات، أو التشويه الذي قد يتوجه إلى الكيان الإصلاحي ممَّن لا يتفهم مقصده أو يحقد عليه-؛ فهذا قد يتسبب في حدوث فجوة مجتمعية كبيرة بين المجتمع وأفراد الكيان الإصلاحي؛ مما يعرِّض الفكرة الإصلاحية للكيان في حدِّ ذاتها إلى الهدم، أو يعرِّض الكيان إلى التآكل المجتمعي، أو يصيب الأفراد بالعزلة الشعورية المهلكة لأي كيان إصلاحي، والمضيِّعَة للتماسك المجتمعي المؤثر في الإصلاح المنشود.
ومن الجدير بالذكر هنا أن نؤكد على: أن ممانعة حالة الانتشار لأي كيان إصلاحي هي حالة مكرورة منذ قديم الزمان، وأن هذا الأمر من طبيعة الطريق الإصلاحي، وأن الاستمرار ودوام الإحسان هو أحد أهم وسائل تغيير القلوب بالقبول والوصول لأبعد الطبقات.
كما أن السياسة العملية لأي كيان إصلاحي في مساره الانتشاري تتطلب: الاستمرارية لا الموسمية، والحرص على البناء لا الهدم، والتعاون لا التصادم أو الإقصاء، وحفظ القيم والثوابت مع تطوير الوسائل، والتعلُّم من الأخطاء وإدراك الواقع، مع التطلع للمستقبل بإيجابية، ودوام الإحسان وإن لم تَلْقَ إحسانًا من الآخرين؛ لأن الله يحب المحسنين، وكفى بالله حسيبًا.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.