الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 06 مايو 2025 - 8 ذو القعدة 1446هـ

حاجز الكراهية وأثره في النقد والخلاف

كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمن أبرز أسباب النفور الشديد، والنقد القاسي الموجَّه إلى بعض المشايخ أو الجماعات والمؤسسات: الحاجز النفسي، وغشاء الكراهية الذي تَرسَّخَ على القلوب، نتيجة فتوى قديمة، أو موقف صُوِّرَ بأسوأ صورة، أو كلام اجتُزئَ من سياقه، ثم ضُخِّمَ إعلاميًّا وأُعيدَ تكراره حتى صار "صورة ذهنية مشوَّهة" لا تكاد تُفارق الأذهان.

والمؤلم أن كثيرًا من الاعتراضات والانتقادات الموجَّهة، لا تُبنى على فهمٍ تامٍّ لكلام الشيخ المردود عليه أو مواقفه، بل على مقاطع مجتزأة أو عناوين مضلِّلـة أو كلام نُسِبَ إليه ولم يُسمَع منه!

فتُؤخَذُ فتوى طويلة تمتد عشر دقائق أو نصف ساعة، ثم تُختَزَلُ في دقيقة واحدة، يُنتَزَعُ فيها بعض العبارات الموحية بصورة معينة، فيُظهَرونه في مظهر مشوَّه؛ ليكون مبغوضًا عند العامة، مستفزًّا لأتباعهم والمتابعين للقضية محل الخلاف.

وهذا -من حيث البُعد النفسي- أمر متوقَّع؛ فإن من يَكرَهُ شخصًا قد لا يَطيقُ أن يَسمَعَ له ولا أن يَراهُ!

لكن من جهة العدل والإنصاف والنقد العلمي، وضوابط الحكم على الآخرين، فإن هذا مردود على صاحبه، وطعنٌ في منهجيته، ودليلٌ على اتباع الهوى، لا على ثبوت المخالفة عند ذلك الشيخ أو تلك الجماعة التي يَرُدُّ عليها ويَطعَنُ فيها بناءً على ما أُشيعَ وانتشر.

بل حتى إن ثبت أن هذا الشيخ قال ما يَنتقِدونه حقًّا، أو ثبتت عليه التهم التي سبَّبت نفور البعض منه، فإن العدل يوجب عليهم أن يَستمِعوا لكلامه كاملًا، وأن لا يقتصِروا على ما أُشيعَ عنه، أو ما نقلته بعض الصفحات والمنصات بطريقة انتقائية، بل يلزمهم -إن كانوا من أهل الإنصاف- أن يَطَّلِعوا على تفصيله، وأدلته، وحججه، ثم يَرُدُّوا عليه بالعلم والحجة والبرهان.

أما الحكم السريع، والبتر، والاجتزاء، فذاك ما يُسقِطُ النقد، ويُسقِطُ الناقد ولا يَضُرُّ المردود عليه وإن حصل له بعض الأذى؛ فضلًا عن الضرر المترتب على النقد الجائر، والافتراء على الشيخ إن كان ما يقوله حقًّا، فإنه إن لم يَتبِع الحق فثَمَّ الضلال (وَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) (يونس: 32).

وقد رأينا في الواقع المعاصر ندرة الإنصاف بين المختلفين، حتى بلغ الحال أن يَرُدَّ بعض المشايخ "من المعروفين بالاعتناء بعلم الحديث!" على أحد العلماء، فلما سُئل: "هل استمعتَ لكلامه؟"، قال: "لم أسمعه، لكنني أردُّ على ما شاع بين الناس!".

وهذا والله خطرٌ عظيم! ويترتب عليه ضررٌ جسيم، أن تُبنَى الردود على أصداء لا على أقوال، وعلى إشاعات لا على بيِّنات. وإن حصل هذا من شيخٍ متقنٍ لقواعد الحديث والفتوى والتصنيف، ودراية بعلم الجرح والتعديل وما يلزم عند تناول الأخبار والأقوال، فما بالنا بمن هم أصغر سنًّا، وأقل علمًا وأكثر تسرُّعًا، ممن أصابتهم لوثة الكراهية، للشيخ أو الكيان المردود عليه؟!

فمن حسموا موقفهم من شيخ بأنه ضالٌّ، أو موالٍ للظالمين، أو مروِّجٌ للباطل، كيف سَيَنظُرونَ لأي موقف أو رأي جديد يَصدُرُ عنه إذا بنَوا كلامهم على نصوص مبتورة مع هذه الحواجز النفسية؟ بالتأكيد لن يكون منهم إلا رفض تلقائي، وحكم مسبق، وتشنيع متواصل وإن بنَوه على بعض الأدلة وزَيَّنَ بزينة العلم وبريق كلام الفقهاء!

وهذا من الظلم، والفجر في الخصومة واتباع الظن!

دعوا الحب والكره جانبًا، واستمعوا للخصم قبل أن تَحكُموا عليه! افهموا كلامه من لفظه، لا من لسان غيره، واسمعوه كاملًا غير منقوص. احكموا على الفتوى من سياقها، لا من مقطع مجتزأ. واعدلوا؛ فإن العدل هو قوام الدين، ولبُّ الأخلاق، وأقرب للتقوى وسبيل النصر لمن يَسعَونَ إلى النصر ويَبحَثونَ عنه؛ قال -تعالى-: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة: 8).

لا تَنتَظِروا ردودًا علمية قوية، وبيانات وافية، وحججًا راسخة، إن كانت مبنيَّة على كلام مبتور، وعناوين مزيفة، وسوء ظن، وغشاء كراهية؟

فاحذروا هذا الفخ، وتذكَّروا أن العدل فريضة لا يُسقِطُها الخصام، والإنصاف خُلُق لا يُلغيه الخلاف.

قال ابن حزم -رحمه الله-: "مَن أراد الإنصافَ، فليتوهَّم نفسَه مكان خَصمه؛ فإنه يَلوحُ له وجهُ تعسُّفه" (الأخلاق والسِّير).

وقال ابن القيِّم -رحمه الله-: "والإنصافُ أن تَكتالَ لمُنازِعِك بالصاع الذي تَكتالُ به لنفسِك؛ فإنَّ في كل شيء وفاءً وتطفيفًا" (تهذيب السُّنن).