الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 05 ديسمبر 2016 - 6 ربيع الأول 1438هـ

حول الاستغفار والتوبة والفرق بينهما

السؤال:

1- هل يجوز أن يقول خطيب في خطبة الجمعة: "أيها العاصي، استغفر الله وإن لم تتب، وإن لم تترك الذنب في الحال؛ فلا تترك الاستغفار؟"، وذكر أن العاصي المستغفر لا يعذبه الله، وأن الحسن البصري -رحمه الله- قال: "مَن استغفر لا يعذبه الله؟ قالوا: ولماذا؟ قال: ما كان ليلهمه الاستغفار ثم يعذبه". فما حكم الكلام بهذا السياق؟

2- ما حكم مَن يقول: "أستغفر الله" وهو ينظر إلى الصور المحرمة والعارية! لأنه لا يستطيع أن يمنع نفسه مِن النظر إليها؛ فيستغفر الله خوفًا مِن الله ومِن البلاء؟

3- ما الفرق بين الاستغفار والتوبة؟ لأن النصوص فرقت بينهما، ومن المعلوم أن المعنى اللغوي للاستغفار يأبى أن يحمل على التوبة والعكس؟

4- ما معنى قول الله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال:33)؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فالاستغفار المأمور به الذي يُسقِط التبعات هو الاستغفار المقرون بالتوبة، فالاستغفار دون توبة نقص عن الواجب، والواجب هو التوبة، وهي تستلزم الندم والعزم على ألا يعود للذنب مع الإقلاع عنه، فالمستغفِر الذي لم يَتب ترك واجبين -الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم معاودته- وفعل واحدًا هو الندم، ولكن الاستغفار دون إقلاع عن الذنب أو مع عزم على العودة مع الشعور بالندم والحزن، والألم مِن الذنب؛ يمكن أن يكون مخففًا للذنب وعقوبته، وأما مع رؤية أنه قد أدى ما عليه؛ فليس هذا باستغفار مشروع، وأما إذا كان على سبيل الاستهانة بالذنب؛ فهذا كالمستهزئ بربه كما قال السلف.

وأما جزم الخطيب بأن المستغفر بلا توبة لا يعذبه الله؛ فكلام غير صحيح، وكلام الحسن -رحمه الله- هو في الاستغفار المشروع أي المقرون بالتوبة، فالمستغفر الذي يصر على الذنب في مشيئة الله؛ إن شاء الله عذبه، وإن شاء غفر له.

2- النظر للصور المحرمة والعارية محرم، والذي يستغفر مع النظر إليها هو استغفار غير مقرون بتوبة كما سبق جوابه.

3- المعنى الشرعي للاستغفار هو طلب المغفرة قولاً وعملاً، وليس المصر على الذنب بطالب للمغفرة بعمله وإن طلبها بقوله، أما التوبة فهي ندم وإقلاع وعزم على عدم العودة مع رد الحقوق إلى أهلها، وبيْن الأمرين مِن جهة الحقيقة الشرعية الكاملة تلازم، أما اللغوية فبينهما افتراق، فالتوبة رجوع، والاستغفار طلب المغفرة، والحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية.

4- الاستغفار هو طلب المغفرة، والاستغفار المذكور في هذه الآية: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، وغيرها مِن آيات الاستغفار المقصود به الاستغفار مع التوبة، فمعنى الآية: أن الله لم يكن معذبهم وفيهم مَن يستغفر، وهم أهل الإيمان، فالاستغفار هنا هو الاستغفار الشرعي المقرون بالتوبة.