كتبه/ نصر رمضان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،
فقد قال الله -عزَّ وجلَّ-: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) (النساء: 83).
والمراد بأولي الأمر في الآية: أي: العلماء الراسخون، الذين يُحسنون استنباط الأحكام الشرعية من أدلة الكتاب والسنة. قال أبو العالية في معنى: (أُولِي الْأَمْرِ) في الآية: "هم أهل العلم؛ ألا ترى أنه يقول: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).
وعن قتادة: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) يقول: إلى علمائهم، (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ): لعلمه الذين يفحصون عنه ويهمهم ذلك. وعن ابن جريج: (أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ): أولي الفقه في الدين والعقل" (تفسير الطبري).
وقال العلامة ابن سعدي -رحمه الله-: "هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة؛ عليهم أن يتثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول، وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور، ويعرفون المصالح وضدها؛ فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطًا للمؤمنين وسرورًا لهم، وتحرزًا من أعدائهم فعلوا ذلك، وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة، أو فيه مصلحة، ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه؛ ولهذا قال: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي: يستخرجونه بفكرهم، وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة.
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية؛ وهي: أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور، ينبغي أن يولّى مَن هو أهل لذلك، ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب، وأحرى للسلامة من الخطأ، وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه؛ هل هو مصلحة فيُقْدِم عليه الإنسان، أم لا فيحجم عنه" (تفسير السعدي).
إن توقير العلماء، والرجوع إليهم من أعظم أسباب صيانة الدِّين، والمحافظة على مظاهره، وعلو أتباعه على المخالفين من أصحاب الفكر المنحرف والأفكار الهدامة؛ فضلًا عن قمع أصحاب الشهوات والشبهات، وأهل الشقاق والنفاق.
فالعلماء هم حفظة الدِّين، ونقلته، والداعون إليه، والمنافحون عنه، والذائدون عن حياضه ضد كلِّ مفترٍ، ومغرضٍ وجاهل، وهم ممثلو الدين، وورثة سيد المرسلين، فإسقاطهم إسقاط لهيبة الدين، وطمس لمعالمه ومناراته، فيعم الجهل والفوضى والبدع، فهدم رؤوس الديانة أقصر الطرق لهدمها، والطاعن في العلماء معين على هدم الدين.
وقد تنبه أعداء الإسلام في خارج بلاد المسلمين وداخلها إلى عظيم أثر العلماء في حفظ دين الأمة، وخاصة عند النوازل والفتن وعند تغير الأحوال وكثرة المستجدات، وتنبهوا إلى دورهم في كشف مخططات الأعداء والمغرضين وأهل الفتن؛ فعمدوا إلى تنظيم حملات لتهوين مقام العلماء، وإضعاف تأثيرهم، وإسقاط هيبتهم عند الناس، وإبعادهم عن مسار الحياة بشتى الطرق، ومختلف السبل.
والله متم نوره ولو كره الكارهون.