الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 07 يوليه 2025 - 12 محرم 1447هـ

وقفات مع حديث الشفاعة العظمى (6) موقف عيسى -عليه السلام-

كتبه/ محمد سعيد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ: فَإِنَّهُ عَبْدٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ). وفي روايةٍ في المسند: (انطَلِقُوا إِلَى سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

فيذهبون إلى عيسى -عليه السلام- لعلَّ الفَرَجَ يكون على يديه؛ فيطلبون منه أن يشفع إلى الله -عز وجل- لبدء الحساب، ويذكرون له المؤهلات التي تؤهله لهذا المقام، فهو:

- كلمةُ الله التي ألقَاهَا إِلى مَريَمَ: أي: كلمة تكلم الله بها، فكان بها عيسى -عليه السلام-، ولم يكن تلك الكلمة، وإنما كان بها، وهذا من باب إضافة التشريف والتكريم.

- وَرُوحٌ مِن الله: أي: من الأرواح التي خلقها وكملها بالصفات الفاضلة والأخلاق، أرسل الله روحه جبريل -عليه السلام- فنفخ في فرج مريم، فحملت بإذن الله بعيسى -عليه السلام-؛ لأنه خُلِق بلا أب.

- كلَّمَ الناس في المهدِ وهو صبيٌّ صغير: وذلك بعدما حملت مريم وأتت به قومها؛ فاستعظموا هذا الأمر؛ لأنها غير متزوجة، وكيف تزني وهي من الأسرة الشريفة الطاهرة؟! (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا . قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا . وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (مريم: 29-33).

ومع ذلك اعتذر لهم عيسى -عليه السلام-، وذكر لهم الأسباب، فقال: (إِنَّ رَبِّي قَد غَضِبَ اليَومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا)، وفي زيادة ضعيفة خارج الصحيح أنه يقول: "إنِّي قَدْ اتُّخِذْتُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ"، وهذه ليست ذنبًا؛ لأنه لم يرضَ بذلك، ولم يقُل للناس: اتخذوني إلهًا مِن دون الله.

ثم يقول لهم عيسى -عليه السلام-: (نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي)، وفي روايةٍ: (لا يُهِمُّنِي اليَومَ إِلَّا نَفْسِي)، أي: يكفيني اليوم أن أنجوَ بنفسي؛ ولكنه مع ذلك دلَّهم على محمدٍ -عليه السلام-.

وفي رواية البزار: (فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِكُمْ، وَلَكِنْ أَدُلُّكُمْ عَلَى صَاحِبِكُمُ، ائْتُوا مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم-).

وفي روايةٍ في المسند: (فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَقَدْ حَضَرَ الْيَوْمَ، وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ مَتَاعًا فِي وِعَاءٍ قَدْ خُتِمَ عَلَيْهِ، هَلْ كَانَ يُقْدَرُ عَلَى مَا فِي الْوِعَاءِ حَتَّى يُفَضَّ الْخَاتَمُ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، قَالَ: فَإِنَّ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- خَاتَمُ النَّبِيِّينَ).

وهذا شرفٌ عظيم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث كان أربعة من الأنبياء يعتذرون بذكر ما فعلوه، وواحد لا يعتذر بشيء، ولكن يرى أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أَوْلَى منه.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.