الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 19 مايو 2025 - 21 ذو القعدة 1446هـ

الصالون الأدبي (مع عُقَاب العربية.. الأستاذ محمود محمد شاكر) (37)

كتبه/ ساري مراجع الصنقري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فيقول العُقابُ في ختامِ حكايتِه مع التَّذوق في مقالتِه التي نشرتْها مَجَلَّةُ "الثَّقافةِ": "وهذا الإلفُ الطَّويلُ لِقيامِ "التَّذوقِ" فيه وأدائِه لِعملَيه، منذ يُولَدُ إلى أن يكبرَ ويعقلَ يُؤهِّلُه، بلا وعي منه حاضر فريد واضح الإرادة، أن يكتسبَ قدرةً على سرعة استخلاص قدرٍ لا بأس به مِن هذا الخليط الذي امتزج فيه العنصران جميعًا، وعندئذٍ، ولأول وهلةٍ، ينفصل شيءٌ بعد شيءٍ مِن هذا الخليط وكأنَّه انفصل من تلقاء نفسه، ويبرز للمرء واضحًا جليًّا، ولا يُحِسُّ البتَّة أنَّه بذل في تَبيُّنِه جهدًا أو تعمَّد بذله، وهذا هو "التَّذوق" السَّاذج الذي لَم يتم عن منهجٍ مرسومٍ أو قصدٍ أو عنايةٍ.

ولكن يبقى في الخليط الممزوج مِن العُنصرَين بعد ذلك شيءٌ "كثيرٌ"، يحتاج إلى منهجٍ وقصدٍ وعنايةٍ، أي يحتاج إلى إرادةٍ واضحةٍ، وإلى تَنَبُّهٍ وبصرٍ، وإلى حرصٍ على تمييز شيءٍ مِن شيءٍ، وإلى عنايةٍ متوجهةٍ إلى غرضٍ واحدٍ أو أغراضٍ متنوعةٍ، وهذا غير ممكن أن يتم من تلقاء نفسه على وجهٍ صحيحٍ، ولا أن يتم كُلُّهُ دفعةً واحدةً، ويحتاج أيضًا إلى ترديد الكلام وترجيعه، وإلى إعادة النظر فيه مرَّةً بعد مرَّةٍ بعد مرَّةٍ، وإلى التقاط شيءٍ من هذا الخليط، وإلى فصلِ بعضٍ مِن بعضٍ، وإلى ضَمِّ شكلٍ إلى شكلٍ، وإلى ملاحظةِ الفُروقِ بين المُتشابهَين أحيانًا، أو تحديدِ ضربٍ مِن التشابه بين غير المُتشابهَين ظاهر أحيانًا أخرى، وأشياءَ أخرى كثيرةٍ لا يضبطها إلا المنهجُ والقصدُ والعناية.

وهذا الذي وصفتُ هو "التَّذوق" بعُنصرَيه: التَّذوق الواقع على طبيعة الكلام نفسه، أي: على ما يتميز به من "السَّذاجة" أو "البلاغة" أو ما شئتَ مِن هذا الباب، والذي كان مُبهَمًا كل الإبهام؛ فجاء عبدُ القاهرِ الجُرجانيُّ فألَّف كتابَين: "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز"، لِيُزيلَ الإبهامَ عن لفظ "البلاغة"، أي عن أحد عُنصرَي "التَّذوق"، وهو نفسه "التَّذوق" الواقع على طبيعة منشئ الكلام، أي: على بعض ما يتميز به مِن الطَّبائع والشَّمائل أو ما شئتَ مِن هذا الباب؛ وهذا العنصر الثَّاني هو الذي حاولتُ جاهدًا أن ألتمسَ لنفسي طريقًا إلى إزالة إبهامه، فإنْ أنا قد وفقتُ فيه إلى بعضِ الصَّوابِ فبفضلِ اللهِ وتسديدِه، وإنْ أكُ قد أخطأتُ الطَّريقَ وأسأتُ فأسأل المغفرةَ واسعَ المغفرةِ سبحانه" (انتهى).

وإلى لقاءٍ قادمٍ -إن شاء الله-.

واللهُ المُستَعان.