الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 30 أبريل 2023 - 10 شوال 1444هـ

أسباب الصبر عن المعصية والبُعد عنها

كتبه/ إبراهيم بركات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

إن للبعد عن المعصية أسبًابًا إذا أخذ العبد بها وفَّقه الله -تعالى- لترك المعاصي والبعد عنها:

السبب الأول: عِلْم العبد قبح المعصية، ورذالتها، ودناءتها، وأن الله إنما حرَّمها ونهى عنها صيانة وحماية له من الدنيا وفتنها، كما يحمي الوالد الشفيق ولده ما يضره، وهذا سبب يحمل العاقل على تركها، ولو لم يعلَّق عليها وعيد العقاب. 

السبب الثاني: الحياء من الله، فعِلْم العبد بنظر الله إليه، ومقامه عليه يعينه على ترك المعصية، ويستحيي من ربه أن يتعرض للملاحظة. 

السبب الثالث: مراعاة نعم الله على العبد، وإحسانه إليه؛ فإن الذنوب تزيل النعم ولا بد، فالمعاصي نار تأكل النعم كما تأكل النار الحطب، عياذًا بالله من زوال نعمته، وتحول عافيته. 

السبب الرابع: خوف الله وخشية عقابه، ويثبت بالتصديق بالوعد والوعيد، والإيمان بالله وكتابه ورسوله، ويقوى بالعلم واليقين، ويضعف بضعفها. قال بعض السلف: "كفى بخشية الله علمًا، وبالاغترار به جهلًا". 

السبب الخامس: محبة الله، وهي من أقوى الأسباب على الصبر عن مخالفته ومعاصيه، فإن المحب لمَن يحب مطيع، وكلما قوي سلطان المحبة في القلب كان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى، وإنما تصدر المعصية والمخالفة عن ضعف المحبة وسلطانها، وقول عمر: "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه" (لا أصل له عن عمر، كما في السلسلة الضعيفة 1006)؛ يعني أنه لو لم يخف من الله لكان في قلبه محبة الله وإجلاله تمنعه من معصيته، والمحبة تؤتي ثمارها باقترانها بإجلال المحبوب وتعظيمه. 

السبب السادس: شرف النفس وزكاؤها وفضلها وأنفتها وحميتها، أن تعرف الأسباب التي تحطها وتخفض منزلتها وتحقرها، وتسوي بينها وبين السفلة فتتركها، حماية لها من الوقوع في المعاصي.     

السبب السابع: قوة العلم بسوء عاقبة المعصية، وقبح أثرها، والضرر الناتج عنها، ومن ذلك سواد الوجه وظلمة القلب، وضيقه، وهمه وحزنه، وتمزق شمله والقسوة والحيرة في أمره، وتواري العلم ونسيانه، ومرضه الذي ربما يفضي إلى موته. 

السبب الثامن: علمه بقصر السفر، وبسرعة انتقاله، فليس للعبد أنفع من قصر الأمل، ولا أضر من التسويف وطول الأمل. 

السبب التاسع: مجانبة الفضول في مطعمه ومشربه، وملبسه، ومنامه، واجتماعه بالناس، فقوة الداعي إلى المعصية تنشأ من هذه الفضلات وما تتطلبه من مَصْرف لها يضيِّق عليها المباح فتتعداه إلى الحرام، ومن أعظم الأشياء ضررًا على العبد بطالته وفراغه، بل نفسك أن لم تشغلها بما ينفعها؛ شغلتك بما يضرك ولا بد. 

السبب العاشر -وهو الجامع لهذه الأسباب كلها-: ثبات شجرة الإيمان في القلب، فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه، فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتم، ومَن باشر قلبه الإيمان بقيام الله عليه ورؤيته له وتحريمه لما حرَّم عليه، وبغضه له ومقته لفاعله، وباشر قلبه الإيمان بالثواب والعقاب والجنة والنار، امتنع عن المعصية؛ فإذا قوي سراج الإيمان في القلب وأضاءت جهاته كلها به؛ أشرق نوره في القلب، وأضاءت جهاته كلها به، وأشرق نوره في أرجائه، وسرى ذلك النور إلى الأعضاء، وانبعث إليها فأسرعت الإجابة لداعي الإيمان، وانقادت له طلائعه، مُذَللـة غير متثاقلة، ولا كارهة، بل تفرح بدعوته حين يدعوها، فهو في كل وقت يترقب داعية الإيمان ويتأهب للقيام بموجبه. 

ومحك هذا الحال يظهر في مواطن أربعة: 

أحدها: عند أخذ مضجعه، وتفرغ حواسه وجوارحه من الشواغل، واجتماع قلبه على ما يحبه؛ فإنه لا ينام إلا على ذكر مَن يحبه وشغل قلبه به. 

ثانيها: عند انتباهه من النوم فأول شيء إلى قلبه ذكر محبوبه. 

ثالثها: عند دخوله في الصلاة فلا يزن العبد إيمانه، وحبه لله بمثل ميزان الصلاة؛ فإنها الميزان العادل الذي به يزن العبد نفسه، فبقدر خشوعه وقرة عينه بالصلاة، يعرف حال إيمانه وتقواه. 

رابعها: عند الشدائد والأهوال يكون اجتهاد وابتلاء، والعبد لا ينال الدنيا إلا بتعب وألم ومشقة، فالغيث لا بد معه من رعد وبرق، ووحل وبرد، ولا بد لنيل الأماني من سهر الليالي، كذلك أهل الإيمان لا بد لهم من اختبار وامتحان؛ ليظهر صدقهم من كذبهم، وحتى يثبت أهل الإيمان عند الاختبار ويجتازوا العقبة والمحنة بمنح وعطايا من الرحمن، لا بد لهم أن يعلموا ويتعرَّفوا عليها.