الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 15 أبريل 2023 - 24 رمضان 1444هـ

شريعة الإسلام كاملة وكفيلة بالسياسة العادلة (3)

كتبه/ طارق علي السيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

قال عبد الرحمن تاج -شيخ الأزهر الأسبق-: "وقد عَلِم الصحابة أن أحكام الشريعة لها حِكَمها وأسرارها، ولها أسبابها وغاياتها، وأن نصوصها لها لب وروح؛ فلا يصح الوقوف منها عند حدود الألفاظ وصور العبارات مع إغفال اللب والثمرة؛ فإنها شريعة خالدة عامة؛ عامة في المرسل إليهم، تخاطب كل أصناف البشر، وعامة في المرسل به، أي: أنه رُوعي فيها حاجة الأمم في جميع العصور؛ فوجب أن تكون أحكامها وافية بهذه الحاجة في كل عصر وكل أمة، وهذا لا يكون إلا أن تفهم من نصوصها حق الفهم، وأن تستنبط من مصادرها على وجه يحقق ما تقصد إليه من تحصيل مصالح العباد".

وقال: "وهكذا كان رجال الصدر الأول من المسلمين يفهمون الشريعة من مصادرها، ويستنبطون الفروع من أصولها، وهكذا كانوا يجدون في هذه المصادر والأصول الغناء والكفاية بأحكام ما يأتون وما يذرون، وما شعروا أنهم عاجزون -مع هذه الشريعة- أن يواجهوا ما كان يتوارد عليهم من الوقائع ومختلف النوازل، وكثير منها لم يكن لهم عهد به من قبل؛ بل كان من نتائج الفتح الإسلامي، وأثرًا من آثار اختلاط العرب بغيرهم من الأمم التي خضعت لسلطان الإسلام" (السياسة الشرعية والفقه الإسلامي بتصرفٍ).

وهذا ما أكَّد عليه الإمام ابن القيم من قبل حينما قال: "ومَن له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالاتها وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل، الذي يسع الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من مصالح؛ تبيَّن له أن السياسة العادلة جزءٌ من أجزائها، وفرع من فروعها، وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها وحَسُنَ فهمه فيها، لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة" (الطرق الحكمية).

وبهذا يتضح لنا: أن شريعة الإسلام تصلح أن تكون أسسًا للنظم العادلة، وتتسع لتحقيق مصالح الناس في كل زمان ومكان، وليس هذا واضحًا عند علماء الإسلام فقط؛ بل أشاد به أيضًا جمع من المستشرقين؛ يقول الدكتور فتزجرالد: "ليس الإسلام دينًا فحسب، ولكنه نظام سياسي أيضًا، وعلى الرغم من أنه ظهر في العهد الأخير بعض أفراد من المسلمين ممَّن يصفون أنفسهم بأنهم عصريون، يحاولون أن يفصلوا بين الناحيتين؛ فإن صرح التفكير الإسلامي كله قد بُنِي على أساس أن الجانبين متلازمان، لا يمكن أن يُفْصَل أحدهما عن الآخر" (النظريات السياسية الإسلامية للريس)

وقال الأستاذ نللينو: "لقد أسس محمدٌ في وقتٍ واحدٍ دينًا ودولة، وكانت حدودهما متطابقة طوال حياته" (النظريات السياسية الإسلامية)

وقال الدكتور شاخت: "إن الإسلام يعني أكثر من دين؛ إنه يمثِّل أيضًا نظريات قانونية وسياسية، وجملة القول إنه نظام كامل من الثقافة يشمل الدين والدولة معًا" (النظريات السياسية الإسلامية).

من كل ما سبق يتضح لنا: أنه صح للشريعة الإسلامية أن تسع كل مطالب الأمة وحاجاتها، واستقام للمجتهدين أن يجدوا فيها أصولًا وقواعد يستنبطون منها أحكامًا ونظمًا يعتمدون عليها في سياسة الأمة وتدبير شؤونها.