الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 20 ديسمبر 2022 - 26 جمادى الأولى 1444هـ

الانتحار... بوصلة خارجية

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّ على المنتحر، وترك ذلك لعظم فعله وشناعته؛ فهو كبيرة من الكبائر؛ ولذلك يجب أن تتلى أحاديث الوعيد -كما هو معلوم- على الناس على عمومها بلا تفصيلٍ، من باب الزجر عن الفعل والتخويف من الوقوع فيه، كما يحدث في أحاديث تارك الصلاة وآيات القرآن في حكم القاتل، وهذا كله قبل الفعل وقبل الوقوع فيه.

أما بعد الفعل فبيان الحكم التفصيلي واجب على أهل العلم؛ حتى لا يغالِ أحدٌ، ويحكم بالردة على مَن ارتكب كبيرة من الكبائر كحال الخوارج، مع مراعاة حال المستمعين للكلام ومَن يتوجَّه لهم الكلام؛ فأهل المنتحر وخاصته يحتاجون لبيان أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يمنع الصحابة رضوان الله عليهم من الصلاة عليه، ومعلوم ما في الصلاة عليه من إعلام بطلب الرحمة له والاستغفار له.

أما مَن قد يتأثر بفعله ويسلك مسلكه مِن زملائه أو متابعيه، أو مِن أبناء هذا الجيل؛ فيجب أن يبيَّن له شناعة الفعل وخطورته الجالبة على العبد غضب الرب سبحانه وتعالى، والمستحق به العذاب يوم القيامة، وتسرد لهم الأحاديث والآيات ببيان جزاء المنتحر عند الله كهذا بلا تفصيل؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ‌تَرَدَّى ‌مِنْ ‌جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) (رواه البخاري)، وقال أيضًا: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ‌بَادَرَنِي ‌عَبْدِي ‌بِنَفْسِهِ ‌حَرَّمْتُ ‌عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) (متفق عليه).

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ ‌نَفْسَهُ ‌بِمَشَاقِصَ، ‌فَلَمْ ‌يُصَلِّ ‌عَلَيْهِ" (رواه مسلم)؛ ‏لذا فلا بد لنا مِن التوازن في الطرح، ومراعاة أحوال الناس الذين يستمعون إلينا، والتفريق بين الزجر قبل الفعل، وبيان الحكم بعده، وبين الواجب على العلماء وأهل الفضل، والتوجيه من الناس تجاه مرتكبي الكبائر، وبين الواجب على عموم الناس من حيث الاستغفار لهم وطلب الرحمة لهم.