الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 05 سبتمبر 2021 - 28 محرم 1443هـ

التربية الجسدية في مرحلة الطفولة (1)

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن المسئولية التربوية الملقاة على عاتق الأبوين: التربية الصحية الشاملة للجانب الإيماني والأخلاقي، والنفسي والاجتماعي، والفكري، والجنسي، والجسدي، وقد سبق الكلام عليها -والحمد لله-، إلا الجانب الجسدي، والذي نتناوله -إن شاء الله - في هذه المقالات.

لقد عرَّفت منظمة الصحة العالمية التربية الصحية بأنها: "حالة كون الفرد سليمًا من الناحية البدنية والعقلية، والنفسية والاجتماعية، وليست مجرد خلو جسمه مِن المرض والعاهة".

وقد أصبح هذا التعريف هو المعمول به بين الهيئات الصحية، ومعني ذلك: أن سلامة صحة الفرد تشمل الأنواع التربوية كافة متحدة يكمِّل بعضها بعضًا.

وبالنظر في المقالات السابقة التي تناولت التربية من خلال الكتاب والسنة والواقع نجد استغناءً عن تربية غيرنا إلا ما يدور في فلكها، والحمد لله، وأن تعريف منظمة الصحية العالمية مسبوق بتعريف واعتناء الإسلام به، بل وبالتعريف قصور شديد إذ أهمل التربية الإيمانية التي هي أصل الأصول في التربية، ولأجلها خُلق الإنسان، وأهمل التربية الجنسية التي تحمي المجتمع من خطر حريتها المطلقة التي يدعون إليها مع علمهم بمخاطرها الصحية، وسنرى من خلال هذه المقالات -أيضًا-: كيف سبق الإسلام والمسلمون غيرهم في مجال التربية الصحية الجسدية.

ولماذا قلنا: التربية الجسدية، ولم نقل: التربية البدنية؟

لأن الجسد في اللغة هو: جسم الإنسان، أما البدن فهو: جسد الإنسان دون الرأس والأطراف (قاموس المعاني)، أي: أعم.

- تبدأ التربية الجسدية في الإسلام منذ الحمل وحتى وضعه، وبعد وضعه تبدأ: الرضاعة الطبيعية: فعلى الوالدات إرضاع أولادهن حولين كاملين؛ إلا أن يرى الوالدان المصلحة في فطامه قبل ذلك، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) (البقرة: 233)، أي: "وعلى الوالدات إرضاع أولادهن مدة سنتين كاملتين لمَن أراد إتمام الرضاعة، فإن أراد الوالدان فطام المولود قبل انتهاء السنتين؛ فلا حرج عليهما إذا تراضيا وتشاورا في ذلك؛ ليصلا إلى ما فيه مصلحة المولود" (التفسير الميسر).

وهذا خيرٌ عظيم للمولود، ينبغي للوالدين أن يحرصا عليه، ولا يقصِّرا فيه؛ فلا تنتقل الأم إلى الحليب الصناعي دون حاجة، ومما يزيد إيمان الوالدين بما شرعه الله الحكيم الخبير ما توصلت إليه الدراسات المعاصرة من فوائد الرضاعة الطبيعية.

"فحليب الأم غذاء شامل للطفل حيث يحتوي على جميع المركبات الغذائية التي يحتاجها الطفل، بل حتى الأمهات اللواتي يعانين من سوء التغذية يكون الحليب لديهن كاملًا، عادة.

وهي -الرضاعة الطبيعية-: حماية من الأمراض المعدية حيث يستمر التأثير الإيجابي للرضاعة حتى بعد فطام الطفل، فالطفل الذي رضع ستة أشهر على الأقل، أقل عرضة للإصابة بالأمراض المعدية والأمراض المزمنة عند الكِبَر، فهي حماية من مرض السمنة، و تقلل خطر الإصابة بالأمراض السرطانية، وتقلل الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض الجهاز الهضمي والتنفسي.

ويكون الطفل أقل عرضة للإصابة بداء السكري من غيره.

وقد أظهرت معظم الدراسات وجود علاقة بين الرضاعة، لمدة 6 أشهر على الأقل، وبين ارتفاع نسبة الذكاء وتقوية الأجهزة البصرية والسمعية في فترة الطفولة والمراهقة، كما أنها تعزز مناعة الطفل" (انتهى ملخصًا من "ويب طب").

فسبحان الذي أجراه في ثدي الأم غذاءً كاملًا يكفيه عن غيره، وسبحان الرزاق الذي يرزق كل ذي قوت قوته!

- ومِن السُّنة: تحنيكه بالتمر، فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد حنك ابنه إبراهيم لما ولد بتمرة، وكذا عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن أبي طلحة، وكل ذلك ثابت في الصحيح.

"والتحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به"، قاله ابن حجر، والأفضل أن تقوم به أمه.

وهذا فيه فوائد عظيمة، قال الدكتور محمد علي البار: "إن مستوى السكر "الجلوكوز" في الدم بالنسبة للمولودين حديثًا يكون منخفضًا، وكلما كان وزن المولود أقل، كان مستوى السكر منخفضًا، وبالتالي فإنه في المواليد الخداج -وزنهم أقل من 2. 5 كجم- يكون منخفضًا جدًّا بحيث يكون في كثيرٍ من الأحيان أقل من 20 مليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم، وأما المواليد أكثر من 2. 5 كجم، فإن مستوى السكر لديهم يكون عادة فوق 30 مليجرام، ويعتبر هذا المستوى (20 أو 30 مليجرام) هبوطًا شديدًا في مستوى سكر الدم.

ويؤدي ذلك إلى الأعراض الآتية:

1- رفض المولود الرضاعة.

2- ارتخاء العضلات.

3- توقف متكرر في عملية التنفس وحصول ازرقاق الجسم.

4- اختلاجات ونوبات من التشنج.

وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفاتٍ خطيرةٍ مزمنةٍ، وهي:

1- تأخر في النمو.

2- تخلف عقلي.

3- الشلل الدماغي.

4- إصابة السمع أو البصر أو كليهما.

5- نوبات صرع متكررة "تشنجات" (انتهى من مجلة إعجاز).

- ومن التربية الصحية للطفل:

العقيقة، وحَلْق شعره يوم سابعه، واختيار الاسم الحسن له، وختانه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَتُهُ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وقال: (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وللعقيقة فوائد صحية عديدة، قال ابن القيم -رحمه الله-: "قربان يتقرب به عن المولود في أول أوقات خروجه إلى الدنيا. والمولود ينتفع بذلك كما ينتفع بالدعاء له، وتفك رهان المولود، فإنه مرتهن بعقيقته. قال الإمام أحمد: مرتهن عن الشفاعة لوالديه. وقيل: يطلق مِن أسر الشيطان فلا يتسلط عليه، ويمنعه من سعيه في مصالح آخرته التي إليها معاده، وقَلَّ مَن يترك الذبح عنه إلا وهو في تخبيط من الشيطان".

وأي تدبير صحي كهذا يعين على صلاح الطفل، وفك أسر الشيطان عنه، فالحمد لله.

حلق الشعر:

ويحلق شعره يوم سابعه، أما البنت فالراجح أنه لا يحلق شعرها، وهو مذهب الحنابلة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ غُلَامٍ) وهذا لا يطلق على الأنثى.

ومن فوائد حلق شعره: "إماطة الأذى عنه، وإزالة للشعر الضعيف، فيخلفه شعر أقوى وأمكن مِن هذا الشعر، وأنفع للرأس، مع ما فيه من التخفيف عن الصبي، وفتح مسام الرأس ليخرج البخار منها بيسر وسهولة، وفي ذلك تقوية بصره وشمه وسمعه"، قاله ابن القيم -رحمه الله-.

ويستحب التصدق بزنته فضة: فعن فاطمة -رضي الله عنها-: "أنها وزنت شعر الحسن والحسين فتصدقت بزنته فضة" (حسنه الهيثمي). وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "لا بأس أن يتصدق بوزن شعر الصبي"، يعني: من الفضة. وكل هذا شكراً لله -تعالى- على هبته.

والتسمية:

ويستحب اختيار الاسم الحسن له؛ كالأسماء المعبَّدة لله- تعالى-، وأسماء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، وأسماء الصحابة والصحابيات، بعيدًا عن الأسماء المكروهة والمحرمة، ولا شك أن الاسم الحسن له أثر كبير في الصحة النفسية للطفل التي لها مردود بدني واجتماعي عليه.

والختان:

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ -أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ- الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ) (متفق عليه).

وعن فوائد ختان الذكور قال الدكتور "محمد البار": "إن ختان الأطفال المواليد (أي: خلال الشهر الأول من أعمارهم) يؤدي إلى مكاسب صحية عديدة، أهمها:

1- الوقاية من الالتهابات الموضعية في القضيب: الناتجة عن وجود القلفة، ويسمَّى ضيق القلفة، ويؤدي إلى حقب البول، والتهابات حشفة القضيب وهذه كلها تستدعي إجراء الختان لعلاجها، أما إذا أزمنت فإنها تعرض الطفل المصاب لأمراض عديدة في المستقبل، مِن أخطرها: سرطان القضيب.

2- التهابات المجاري البولية: أثبتت الأبحاث العديدة أن الأطفال غير المختونين يتعرضون لزيادة كبيرة في التهابات المجاري البولية. وفي بعض الدراسات بلغت النسبة 39 ضعف ما هي عليه عند الأطفال غير المختونين، وفي دراسات أُخرى كانت النسبة عشرة أضعاف، وفي دراسات أُخرى تبيَّن أن 95 بالمائة من الأطفال الذين يعانون من التهابات المجاري البولية هم من غير المختونين، بينما كانت نسبة الأطفال المختونين لا تتعدى 5 بالمائة.

3- الوقاية من سرطان القضيب: قد أجمعت الدراسات على أن سرطان القضيب يكاد يكون منعدمًا لدى المختونين، بينما نسبته لدى غير المختونين ليست قليلة، ففي الولايات المتحدة فإن نسبة الإصابة بسرطان القضيب لدى المختونين صفر بينما هي 2. 2 من كل مائة ألف من السكان غير المختونين، وبما أن أغلبية السكان في الولايات المتحدة هم من المختونين فإن حالات السرطان هناك في حدود 750 إلى ألف حالة كل سنة ولو كان السكان غير مختونين لتضاعف العدد إلى ثلاثة آلاف حالة.

4- الأمراض الجنسية: لقد وجد الباحثون أن الأمراض الجنسية التي تنتقل عبر الاتصال الجنسي (غالبًا بسبب الزنا واللواط) تنتشر بصورة أكبر وأخطر لدى غير المختونين، وخاصة: الهربس، والقرحة الرخوة، والزهري، والكانديدا، والسيلان، والثآليل الجنسية" (انتهى ملخصًا).

يتبع -إن شاء الله-.