كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الأهمية الإستراتيجية لدول أمريكا اللاتينية:
المراد بأمريكا اللاتينية: الدول الناطقة باللغة الإسبانية وباللغة البرتغالية في العالم الجديد (أي: في القارتين: قارة أمريكا الشمالية وقارة أمريكا الجنوبية)؛ مثل: المكسيك، ومعظم دول أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي. وترجع اللغة الإسبانية واللغة البرتغالية في الأصل إلى اللغة اللاتينية، وهي اللغة التي كانت مستخدمة في أوروبا في قديم الزمان، حيث يعود تاريخ استخدامها إلى أكثر من ألف عام.
واشتق اسم (اللاتينية) من المجموعة القبلية الإيطاليقية التي سُمِّيت (لاتيني).
وقد كوَّنت اللغات الإيطاليقية فصيلة في عائلة اللغات الهندوأوروبية، وتشمل اللغات الرومنسية والجرمانية والهيلينية، وعددًا من اللغات الأخرى المنقرضة. ولا تزال اللغة اللاتينية ذات أثر في أنحاء من العالم، ولكن لا يتم التحدث بها إلا في الفاتيكان، وهي وإن كانت تُعَدُّ لغة ميتة لكنها ليست منسية.
وقد ظلَّت منطقة أمريكا اللاتينية (أمريكا الوسطى) لعدة عقود ساحة للمنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الاتحاد السوفيتي السابق خلال فترة الحرب الباردة بين البلدين، لكن مع نهاية الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991م، تراجعت أهمية منطقة أمريكا اللاتينية وأصبحت تدريجيًّا على هامش أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تحوَّلَت الولايات المتحدة إلى القوة المهيمنة على العالم، وبعد أن تحوَّلَ الاهتمام الأمريكي تدريجيًّا إلى منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م.
ولكن مع مطلع القرن الحادي والعشرين الميلادي، عادت منطقة أمريكا اللاتينية من جديد لتكون محط أنظار وتنافس القوى الدولية، خاصة أمريكا والصين.
وتُعَدُّ أمريكا اللاتينية ذات أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية لقربها الجغرافي منها؛ لذا فإن استقرار الولايات المتحدة وأمنها وتفوقها الاقتصادي مرتبط بأمن واستقرار هذه المنطقة.
وتركز أمريكا على مكافحة الاتجار بالمخدرات في أمريكا اللاتينية، وعلى تقليل تدفُّق المهاجرين غير الشرعيين من تلك المنطقة إلى الولايات المتحدة، وقد خصَّصَت الإدارات الأمريكية المتعاقبة -خاصة الجمهورية منها- موارد مالية وعسكرية كبيرة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في تلك المنطقة؛ إذ تسعى الولايات المتحدة إلى أن تكون القوة المهيمنة في أمريكا اللاتينية للحفاظ على مصالحها في المنطقة، سواء السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو الأمنية، ومكافحة النفوذ الصيني المتزايد، ومنع انتشار الإيديولوجيات المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية.
وللصين أيضًا أهدافها في منطقة أمريكا اللاتينية من خلال إقامة شراكات إستراتيجية مع دول المنطقة تدعم صعود الصين كقوة اقتصادية مؤثرة في النظام العالمي، والعمل كذلك على دفع دول منطقة أمريكا اللاتينية التي تعترف بتايوان إلى سحب اعترافها بها، إلى جانب التوسُّع في فرص التجارة البينية والاستثمارات؛ هذا بينما تحاول روسيا أيضًا الموازنة مع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وتعزيز الحضور الروسي فيها.
وفي ظل هذا التنافس من القوى الكبرى على النفوذ في أمريكا اللاتينية، تتفاقم التحديات الأمنية الإقليمية، ويساهم هذا التنافس في الصراعات بالوكالة وفي تزايد سباق التسلُّح، وفي زعزعة الاستقرار وتقويض جهود تعزيز السَّلِم والتنمية في المنطقة؛ مما يوجب على حكومات دول أمريكا اللاتينية أن تتعامل مع هذه المخاوف الأمنية من خلال التعاون الإقليمي لتعزيز مواقفها، ومن خلال المشاركة الإقليمية النشطة، بعيدًا عن الاختيار بين واشنطن وبكين.
كما يمكنها الاستفادة من تشكيل علاقات مع القوى الكبرى تستفيد منها في زيادة الاستثمارات الأجنبية وتنويع شراكاتها الاقتصادية والسياسية. وبالتالي يتوقَّف مستقبل دول أمريكا اللاتينية على قدرتها على وضع المسار الذي يخدم مصالحها وتطلعاتها بعيدًا عن الخوض بعمق في مجال التنافس بين القوى الكبرى على المنطقة.
وقد شهدت أمريكا اللاتينية في العقود الأخيرة تغيُّرات مهمة؛ منها: وصول بعض الحكومات الاشتراكية الوسطية التوجُّه نحو اليسار للحكم، والتي طبَّقَت سياسات إقليمية تنفصل بها عن السياسات الاقتصادية لواشنطن، مما أجبر الحكومات اليمينية القريبة من الولايات المتحدة الأمريكية على توحيد قواها للحفاظ على بقائها على الساحة السياسية هناك. وفي عام 2015، انتقلت بعض دول أمريكا اللاتينية من الحكومات اليسارية الموصوفة بالتقدمية إلى رئاسات يمينية متطرفة لها أجندات سياسية واقتصادية موافقة لواشنطن ومؤيدة لها، مما أحدث في المنطقة موجات من التذبذب نحو اليمين تارة ونحو اليسار تارة أخرى. هذا إلى جانب الصعود التدريجي للبرازيل وتزايد دورها الإقليمي والدولي.
وقد صعد إلى الحكم في البرازيل الرئيس اليساري (لولا دا سيلفا)، كما صعد (هوجو تشافيز) لرئاسة فنزويلا وهو معروف بعدائه للولايات المتحدة الأمريكية، وفي كوبا كان من قبل (فيدل كاسترو)، وفي الإكوادور تولَّى الرئاسة (رافاييل كوريا)، بينما تولَّت اليسارية (ميشيل باتشيليت) منصب الرئاسة هناك كأول امرأة تصل لهذا المنصب في قارة أمريكا الجنوبية. ومثَّل هذا الصعود اليساري في أمريكا الجنوبية فرصة سانحة للتعاون فيما بين دول الجنوب والجنوب في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
ومما ينبغي الإشارة إليه أن دول أمريكا اللاتينية لها بعض الخصائص العامة في سياساتها الخارجية، يجب النظر إليها بعين الاعتبار، منها:
عدم التجانس فيما بينها، فلا تُعَدُّ منطقة أمريكا اللاتينية جهة فاعلة متجانسة، إذ إن هناك ديناميكيات مختلفة تدفع كل بلد منها إلى سياسة تُسْنَد إلى احتياجاتها الخاصة واهتماماتها المحلية. وبالتالي فلا يمكن تحليل السياسة العامة لأمريكا اللاتينية كمنطقة واحدة متجانسة، وإن اشتركت الدول التي تتألَّف منها المنطقة في بعض المصالح والمشكلات.
إن السياسات الخارجية لدول الحكومات في أمريكا اللاتينية تحدِّدها الحكومات الموجودة في السلطة، وبالتالي لا توجد سياسة واحدة واضحة ثابتة يمكن أن تجعل سياسة أحد دولها هي البديل المتماسك كفاعل دولي مؤثر، فدائمًا ما تحدِّد نخب تلك الدول المسار السياسي والاقتصادي والأمني الذي ستتَّخذه البلاد في فترة معينة مع أخذها في الاعتبار موارد تلك الدول الداخلية وتعاملاتها مع الشركات الكبرى التابعة للدول الكبرى التي قد تتحكَّم في توجهات بعض هذه الدول وسياساتها.
وتشير الأحداث إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الفاعل الأكثر أهمية في أمريكا اللاتينية، وإن اختلفت نماذج دول المنطقة في التعامل معها، فهناك دول منها تلتزم بالمصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة على المستوى العالمي والإقليمي؛ منها: المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبيرو، ومنها دول تعمل على تكييف أوضاعها مع الولايات المتحدة في المحافل الدولية لتبدو في انسجام مع واشنطن، من هذا النموذج بنما وكوستاريكا وبيرو. وهناك نموذج يتبنَّى العزلة عن باقي البيئة الإقليمية بدعم من الولايات المتحدة بصورة سرية، ومن أمثلتها باراجواي، وهناك نموذج التحدِّي للولايات المتحدة الأمريكية ويمثِّله رمزيًّا كوبا وفنزويلا.
وفي الوقت نفسه، تتمتَّع دول أمريكا اللاتينية ببعض الملامح المشتركة التي يمكن أن تسمح لها أن تلعب دورًا مؤثرًا على الساحة العالمية؛ منها:
- التنوُّع الثقافي والاجتماعي؛ مما يسهم في تعزيز تبادل الثقافات والتأثير الناعم من خلال الجوانب المشتركة بينها وبين دول العالم.
- التمتُّع بالموارد الطبيعية المهمة مثل البترول والغاز والمعادن النفيسة والمنتجات الزراعية، والتي تمنحها قوة اقتصادية كبيرة وتجعلها شريكًا مهمًّا في السوق العالمية، وتعزِّز من مكانتها على الساحة الدولية.
- وجود تقدُّم ملحوظ في مجال التكنولوجيا، خاصة في مجال المعلومات والاتصالات، والتي تفتح بالتالي آفاقًا جديدة للنمو الاقتصادي.
- تمتُّع العديد من دول أمريكا اللاتينية بنمو اقتصادي ملحوظ في العقود الأخيرة، مما يجعلها وجهة جذابة للاستثمارات الأجنبية.
- السعي لتعزيز التكامل الإقليمي من خلال تأسيس عدة منظمات إقليمية، مثل اتحاد دول أمريكا الجنوبية، وسوق أمريكا المشتركة، مما يقوِّي من قوتها التفاوضية على المستوى الدولي.
- تمتُّع دول أمريكا اللاتينية بعلاقات دبلوماسية قوية مع الكثير من دول العالم، مما يقوِّي من قدرتها على التأثير في القرارات الدولية.
وفي المقابل: تتعرَّض العديد من دول أمريكا اللاتينية لبعض المعوقات والتحديات تؤثِّر سلبًا على قدراتها على التأثير في الساحة الدولية؛ منها:
- الفقر والتفاوت الاجتماعي: مما يقلِّل من الاستقرار السياسي والاقتصادي.
- التحديات البيئية؛ مثل: تغيُّر المناخ وتلوُّث المياه والهدْم غير المشروع للغابات واستنزاف الموارد الطبيعية، مما يؤثِّر على الاستدامة البيئية.
- انتشار الجريمة المنظَّمة والعنف في بعض دول المنطقة، مما يعرِّضها لتحديات أمنية خطيرة تتعلَّق بأخطار الجريمة المنظَّمة وبانتشار العنف، مما يقلِّل من الاستقرار السياسي والاقتصادي فيها.
وتعاني دول أمريكا الجنوبية منذ عهد الاستعمار الأوروبي من فقدان العوامل التي يمكن بها تعزيز التعاون فيما بينها وبناء الاقتصاد الحقيقي وتوفير الحد الأدنى من المصالح المشتركة وتحقيق التكامل المطلوب. فالتوجهات الثقافية والسياسية والاقتصادية لنخب أمريكا اللاتينية تميل نحو الجهات الموجودة خارج المنطقة (أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية) أكثر من اتجاهها نحو جيرانها، فدول أمريكا اللاتينية على الرغم من التطلُّع للوحدة فيما بينها لا يعرف بعضها بعضًا إلا في القليل، بما لا يسمح ببناء علاقات ثقة فيما بينها، إلى جانب أن التجارة البينية بين دول المنطقة لم تتجاوز 20% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي؛ بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية للنقل والاتصالات، مما يجعل تكلفة التعاملات فيما بينها مرتفعة ومكلِّفة للغاية.
ويزيد من صعوبة الأمر النظرة السائدة لمفهوم السيادة الذي يتسبَّب في تواجد النفور من المؤسسات غير الوطنية، فالتنازل عن السيادة الوطنية لمؤسسة فوق وطنية تُعَدُّ هناك خسارة سيادية.
وقبل ذلك وبعده، فهناك افتقاد الدعم من الولايات المتحدة لعملية التكامل بين دول أمريكا اللاتينية، لكن يمكن القول بأن هناك بعض الاتجاهات الإيجابية في علاقات دول أمريكا اللاتينية فيما بينها، منها:
التقارب الثنائي والثقة المتبادلة بين الأرجنتين والبرازيل، ورغم وجود بعض التوترات والتنافسات التقليدية بين البلدين، لكنها قابلة للتفتُّت.
ومنها تزايد العلاقات بين المجتمعات الأهلية الفاعلة في أمريكا اللاتينية في المجالات غير الحكومية والرسمية في السنوات الأخيرة.
ومنها بدء بعض الشركات الكبرى في بعض دول أمريكا اللاتينية، كشيلي والبرازيل والمكسيك، في الاستثمار في دول أخرى بالمنطقة، مما يعزِّز من ترابطها الاقتصادي، خاصة في المشروعات المتعلقة بمبادرة تكامل البنية التحتية الإقليمية لأمريكا الجنوبية.
وفي المقابل: تُعَدُّ الخلافات السياسية التي شهدتها الأعوام الأخيرة بين دول المنطقة المتجاورة أيضًا من الأمور السلبية، ومنها الخلافات بين الأرجنتين وأوروجواي، وكولومبيا وفنزويلا، وشيلي وبيرو.
ويبقى بعد كل ذلك افتقار المنطقة للدولة التي تتولَّى دفع تكاليف القيادة للمنطقة، فالدولة التي يمكن أن تكون مرشَّحة للقيام بدور قيادي ومؤثِّر بشكل كبير في أمريكا اللاتينية لا بد أن تتوفَّر فيها العديد من العوامل؛ منها: أن يكون لها حجمًا اقتصاديًّا كبيرًا ومتنوِّعًا، يجعل لها القدرة على التأثير في الساحة العالمية، كما ينبغي أن تكون لديها جيش قوي قادر على حماية مصالحها في الخارج، ولها علاقات سياسية قوية تجعل لها قدرة على التأثير في القرارات الدولية، على أن تمتلك إلى جانب ذلك قاعدة تكنولوجية قوية، وثقافة غنية ومتنوِّعة تجعلها قادرة على جذب السياح والاستثمارات الأجنبية.
وتُعَدُّ البرازيل الأقرب لتولِّي هذا الدور من خلال سياستها الخارجية في أمريكا اللاتينية، ولنشاطها الدولي الملحوظ، حيث تُعَدُّ جهة فاعلة دولية واقعية وموثوق بها، ولها أدوارها في العديد من عمليات التعاون الإقليمي والدولي.
وقد لعبت البرازيل دورًا رائدًا في التعاون الإقليمي في القضايا الأمنية بالمنطقة، ومنها دورها في تشكيل قوة حفظ السَّلِم التابعة للأمم المتحدة في هايتي وأماكن أخرى، كما شاركت البرازيل كوسيط في الأزمات السياسية في كولومبيا وفنزويلا وبوليفيا.
وتُعَدُّ البرازيل أكبر دولة في أمريكا اللاتينية والخامسة في العالم من حيث المساحة والسكان.
وتأتي المكسيك بعد البرازيل كدولة يمكن أن تعمل كمحرِّك للتكامل في المنطقة، حيث تنتمي المكسيك ثقافيًّا إلى أمريكا اللاتينية، رغم كونها جغرافيًّا تنتمي إلى قارة أمريكا الشمالية، وتُعَدُّ المكسيك ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، ولها علاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تتركَّز تجارتها بنسبة 90% مع الولايات المتحدة. هذا ولم تتمكَّن المكسيك من تطوير سياساتها طويلة الأمد في المنطقة.
ثم تأتي فنزويلا في المرتبة الثالثة، حيث أطلقت في السنوات الأخيرة أكثر المبادرات التكاملية، كما أن لها قوتها البترولية، حيث تمتلك احتياطيًّا من النفط يُعَدُّ من أكبر احتياطات النفط في العالم، إلى جانب أن لديها مشروعًا سياسيًّا ثوريًّا، أما الأرجنتين، فتُعَدُّ ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، ولديها قاعدة صناعية قوية.
كما تتمتَّع شيلي باقتصاد قوي ومستقر، ولديها مستوى عالٍ من التعليم، بينما تتمتَّع كولومبيا باقتصاد سريع النمو، إلى جانب موقعها الإستراتيجي على ساحل الكاريبي.
أما الإكوادور، فتتمتَّع بتنوُّع ثقافي غني، كما أن لديها موقعها الإستراتيجي على ساحل المحيط الهادي.
بينما تتمتَّع بيرو كذلك باقتصاد سريع النمو، ولديها كذلك احتياطات كبيرة من الموارد الطبيعية.
وإجمالًا: لو تمكَّنت دول أمريكا اللاتينية من معالجة التحديات التي تواجهها وحقَّقَت التكامل فيما بينها، فسيكون لها قطعًا دور مؤثِّر على الساحة العالمية في المستقبل.
علاقة العالم العربي بأمريكا اللاتينية:
يوجد أكثر من 20 مليونًا من مواطني أمريكا اللاتينية منحدرين من أصول عربية، حيث يتركَّز أكثر من 12 مليونًا منهم في البرازيل وحدها، أغلبهم من اللبنانيين وبعض السوريين والفلسطينيين، بينما يوجد نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون في الأرجنتين، معظمهم أيضًا من السوريين وبعض اللبنانيين والفلسطينيين، ويوجد في شيلي نحو مليون عربي، بينما يوجد في المكسيك نحو نصف مليون عربي، معظمهم من اللبنانيين، وفي فنزويلا يوجد نحو مليون شخص من أصول سورية ولبنانية، بينما يوجد في كولومبيا نحو 250 ألفًا، بينما يتوزَّع نحو مليون آخر بين بنما وأوروجواي وهندوراس.
وقد ظهرت من بين هذه الأعداد الكبيرة قيادات مالية واقتصادية وسياسية لها شأنها في تلك الدول، انخرطت واندمجت بشكل كبير ومؤثِّر في مجتمعاتها، سواء من الجيل الأول منهم مرورًا بالجيلين الثاني والثالث بعدهم.
وبوجه عام، كانت وما زالت توجد علاقات دبلوماسية تربط بين دول العالم العربي ودول أمريكا اللاتينية من خلال التمثيل الدبلوماسي المتبادل بين عدد كبير من دول المنطقتين، مع وجود المصالح الاقتصادية التي ربطت بين تلك الدول بعضها ببعض في إطار من العلاقات الثنائية.
وقد شهدت العلاقات بين العالم العربي ودول أمريكا اللاتينية نقلة نوعية من خلال الشراكة عبر (فوق) الإقليمية التي نشأت تلبية لدعوة الرئيس البرازيلي (لولا دا سيلفا) لعقد القمة الأولى للدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، التي استضافتها البرازيل عام 2005، وتوالت بعد ذلك عقد القمم (العربية-الأمريكية الجنوبية) بالتبادل بين المنطقتين، فكانت في الدوحة عام 2009، وفي ليما عام 2012، وفي الرياض عام 2015.
وقد أكَّد إطار التعاون المتمثِّل في القمة (العربية-الأمريكية الجنوبية) رغبة قادة الدول المشاركة في تعميق الحوار السياسي وتكثيف التجارة وتعزيز الحوار وتوسيع مجالات التعاون.
وتُعَدُّ منطقة أمريكا اللاتينية ساحة دبلوماسية لها ثقلها في دعم القضايا العربية، خاصة في المنظمات والمحافل الدولية، وفي مقدمتها: القضية الفلسطينية؛ كما تدعم أيضًا الدول العربية قضايا ومواقف دول أمريكا الجنوبية.
وقد تحسَّنت في السنوات الأخيرة نسب التجارة البينية بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، فقبل انعقاد القمة (العربية-الأمريكية الجنوبية)، كانت نسب التجارة البينية بين المنطقتين متواضعة للغاية، إذ كانت تتراوح بين 1% و3% من إجمالي الناتج المحلي، وحاليًا تحسَّن الوضع كثيرًا، إذ تشير التقديرات إلى أن نسب التجارة البينية بين المنطقتين زادت إلى نحو ما يقرب من 17%، معظمها من الاحتياجات الغذائية والمواد الخام وبعض المنتجات الصناعية، مما يشير إلى تزايد عمليات التبادل خلال العشرين عامًا الأخيرة.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.