كتبه/ ساري مراجع الصنقري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد اتفقنا -في المقال السابق- على أننا كي نضعَ أيديَنا على الجرح، ونتلمَّسَ له الشفاء ينبغي على الجميع أن يجيبوا عن عشرةِ أسئلةٍ ذكرناها في المقال الماضي، وذكرنا أن الجواب عن هذه الأسئلة -بإنصافٍ وصدقٍ- يؤدي بنا إلى استكشاف الموضوع مِن جميع زواياه، واستدراجه مِن مكامنه، وإظهار معضلاته وخباياه، ممّا يصل بنا إلى نتائجَ مُقنِعةٍ، تعيننا على إيجاد الحلول الوافية، واتخاذ الأدوية الشافية.
ولَن نَفتأَ نؤكد على الحوار المشترك، والمسؤولية المشتركة، فنحن في زمنٍ لَم يَعُدْ للعمل الفردي فيه مكان.
وقد يظن الكثيرون أيضًا: أنّ مسؤولية النُّهُوض بحال الأمة، وإيقاظها مِن سُباتها، وتجديد حيويتها، من خلال تفعيل أثر العربية فيها، هي مسؤوليَّةٌ مَنوطةٌ بالمتخصصين فقط! فهذا ظَنٌّ خاطِئٌ، إذْ أنّ المَسؤوليَّةَ مُشتركةٌ، مسؤوليَّةُ أُممٍ، مسؤوليَّةُ دُولٍ، مسؤوليَّةُ مُجتمعاتٍ، مسؤوليَّةُ هَيئاتٍ ومُؤسَّساتٍ، مسؤوليَّةُ أفرادٍ؛ فهي ماكينةٌ لو تعطَّل تُرْسٌ مِن تُروسِها عن أداء وظيفته لَتعطَّلَت الماكينةُ عن العمل.
وفي الوقت نَفْسِه نلومُ على كثيرٍ من المتخصصين: الذين لا يزالون يعيشون في كُهوفٍ ضيِّقةٍ، لا يتعاملون فيها إلا مع عِلمَي النَّحو والصَّرف، فحصروا القضية في هذين العِلمَين فقط، حتى اعتقد أكثرُنا أنهم لو عالجوا مُشكِلَتي النحو والصرف لَصارت لُغتُنا الفصحى في الأمان، ولَأصبحنا قادرين بها على النُّهُوض، ولَأخذنا مكان الصَّدارة بين ثقافات الْأُمَم!
فينبغي لك أن تَعْلَمَ -أيُّها العزيزُ الكريمُ- أنّ اللُّغةَ العربيَّةَ لُغةُ حياةٍ، لُغةٌ شاملةٌ، لُغةُ اقتصادٍ، لُغةُ سياسةٍ، لُغةُ اجتماعٍ، لُغةُ تاريخٍ، لُغةُ طِبٍّ، لُغةُ هندسةٍ، وغيرها من فروع المعرفة، فنستطيعُ أن نقولَ: إنّ أثرَ اللُّغةِ العربيَّةِ أثرٌ جوهريٌّ جدًّا في تحقيق ثقافة التَّكامُل المَعرفي.
فقرارُ التَّمسُّك باللغة والعمل على تفعيل أثرها في نهضات الأمم قرارٌ يتلازمُ تلازمًا وُجُودِيًّا مع دراسة ماضيها، ومُعايشة حاضرها، واستشراف مستقبلها.
وهذا ما رأيناه مِن اليابانيِّين لمّا هُزموا في الحرب العالمية الثانية، فقد استكانوا للشروط التي فرضها عليهم الأمريكيُّون؛ مِثل: تغيير الدُّستور، وحلّ الجيش، ونزع السلاح، ولكنهم تمسَّكوا بلُغتِهم القومية ورفضوا التَّخلِّي عنها، وجعلوها لُغتَهم في حياتهم العِلْميَّة والعَمَليَّة.
وكذلك فعل اليابانيُّون أَنْفُسُهم مع الكُوريِّين لمّا وقعت كوريا تحت احتلال اليابان، فقد فرض اليابانيُّون لُغتَهم على الكوريِّين، ولكن لمّا تَحرَّر الكوريُّون مِن احتلال اليابانيِّين -بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية- جعلوا لُغتَهم هي اللغة الرَّسمية لهم، وصارت أساسًا في تنمية بلادهم.
ونَلتقي في المقال القادم -بإذن الله-.
واللهُ المُستعان.