الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 21 أبريل 2007 - 4 ربيع الثاني 1428هـ

عقيدة السلف في الصفات .. شرح المنة (8)

صفات الذات وصفات الأفعال

باستقراء أدلة الكتاب والسنة قسم العلماء الصفات إلى صفات ذات وصفات أفعال، فما الفرق بينهما ؟

صفات الذات:

هي الصفات القائمة بذات الرب -عز وجل- وهي غير متعلقة بالقدرة ولا بالمشيئة، لأن كمال الصفات الذاتية ألا تتعلق بالقدرة ولا المشيئة ، مثال ذلك : صفة الحياة ، فالله -عز وجل- حي ، ولا نقول أبداً: الله حي إذا شاء ، وإذا شاء مات ـ نعوذ بالله ـ لأن صفة الحياة كمالها أن لا تتعلق بالمشيئة، بل الحقيقة أن صفة الحياة هي من لوازم صفة المشيئة .

وكذلك صفة القدرة ، لا نقول : الله قدير إذا شاء ، ويعجز إذا شاء ، وكذلك صفة السمع ، لا نقول : الله سميع إذا شاء ، وأصم إذا شاء ـ نعوذ بالله ـ بل نقول : الله سميع بصير .

أما صفات الأفعال: فهي الصفات المتعلقة بالقدرة والمشيئة ، مثال ذلك : ما ثبت من أن الله يرحم من يشاء ، ويعذب من يشاء ، ويرضى عن من يشاء ، ويغضب على من يشاء ، فهذه تسمى صفات الأفعال ، فهو -عز وجل- فعَّالٌ لما يريد ، فعَّال : يعني صفات الأفعال ، لما يريد : فالإرادة تتعلق بها الصفات الفعلية .

فأفعال الرب -عز وجل- هي التي تتعلق بالمشيئة والإرادة ، وأما الصفات الذاتية فلا تتعلق بالمشيئة، فالله -عز وجل-  واحد، هذه الوحدانية صفة ذاتية لله -عز وجل- ، والله -عز وجل- لم يلد ولم يولد، وهذه صفة ذاتية لله -عز وجل-، فعندما نسأل النصارى: كيف تقولون إن الله -عز وجل-  يلد أو يولد، أو كيف تقولون يُصلَب ويُبْصَق عليه ويموت، كما تقولون: مات يوم الخميس وقام يوم الأحد ـ يقولون قيامة الرب يسوع المسيح من بين الأموات يوم الأحد ـ وتحتفلون بذلك في عيد القيامة (<1>)؟ فيقولون: إنه يقدر على ذلك، إذا أراد أن يموت فسيموت، وهذا جهل عظيم، فإن الحياة صفة ذاتية وليست صفة فعلية، فنقصٌ عظيم أن نقول: يموت إذا شاء، لأن معنى ذلك أن الدنيا لا تحتاج إليه، وإلا فكيف كانت الدنيا مستغنية عنه في هذه الأيام الثلاثة، نعوذ بالله، فالوحدانية والحياة وكونه لم يلد ولم يولد هذه صفات ذاتية لله -عز وجل- لا يجوز أن تتعلق بالمشيئة، لأن الموت نقص، فلا يصح أن نقول: إذا أراد أن ينقص نقص.

وكذلك عندما نسأل النصارى كيف تقولون عن المسيح إنه الله، وهو عبدٌ يَعْبُدُ الله؟ فيقولون : هو يريد ذلك !!! فهل يريد أن يكون عبداً ؟! فكونه إلهاً صفة ذاتية، وليس الأمر أنه إلهٌ إذا شاء وعبدٌ إذا شاء، نعوذ بالله، فلا يمكن لعقل بشري أن يقبل أن يقال إن الله يمكن أن يكون مخلوقاً أَوْجَدَهُ غيره، فصفات النقص هذه: « الموت ، والعبودية ووصفه بأنه مخلوق » لا تجوز على الله -عز وجل-، فالله -سبحانه وتعالى- له المثل الأعلى، له الصفات العُلا، والأسماء الحسنى، لذلك أسمى عقيدة هي عقيدة أهل الإسلام.

وهناك سؤال أفرزه علم الكلام، وللأسف قد نجده في بعض الكتب، وبعض الناس قد يسأله، يقولون : « هل يقدر الله -سبحانه وتعالى- أن يخلق مثله ؟! »، فنقول: هذا كلام متناقض جداً، وهو كلام النصارى في المسيح -عليه السلام- أن الابن يخرج من الأب، والروح القدس يخرج من الأب، ويقولون: الله قادر !! وهذا كلام منكر، فلا يصح قولهم: « يقدر أن يخلق مثله »، لأن « مثله » يعني أن المثلَ غيرُ مخلوق، فهل يقال: هل يقدر الله أن يخلق غير مخلوق ـ أي ما ليس مخلوقاً ـ ؟ فهذا سؤال متناقض باطل أصلاً ، ولأن الوحدانية وكون الرب الخالق غير مخلوق صفات ذاتية من صفاته لا تتعلق بالقدرة ولا بالمشيئة، بل كونه قادراً قدرة تامة من لوازم كماله -سبحانه وتعالى-.

فهذا السؤال السابق باطل، مثل قولهم: هل يقدر أن يموت ؟!! لأن الحياة لا تتعلق بالقدرة ولا بالمشيئة، بل هي صفة ذاتية لله -عز وجل-، ونَفْي الموت مثل نَفْي النوم ونَفْي السِنَةِ (<2>).

الأسماء الحسنى

جاء في الحديث المرفوع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ)، هذا الحديث متفق على صحته.

فهل معنى ذلك أن أسماء الله -عز وجل- تسعة وتسعون فقط ؟ الجواب : لا ، ليس ذلك معنى الحديث ، بل معناه أن هذه الأسماء التسعة والتسعين من يحصيها ويقوم بحق كل اسم منها ، ويتعبد لله بمقتضى كل اسم منها ، ويدعو الله به ، مع حفظ هذه الأسماء يدخل الجنة ، وليس معنى ذلك أنها ـ فقط ـ تسعة وتسعون ، بل هناك أسماء حسنى لله -عز وجل- نحن لا نعلمها ، كما في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم الذي أصابته الديون أن يقول : (اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهَ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي)(<3>).

هذا دليل على أن هناك أسماء استأثر الله -سبحانه وتعالى- بعلمها ، وهناك أسماء علَّمَها الله بعض خلقه ، ولذلك نقول : إن هذا الحديث يقرر أن هذه الأسماء التسعة والتسعين مَنْ أحصاها دخل الجنة .

الأسماء التسعة والتسعون:

هذه الأسماء موجودة في الكتاب والسنة، ولكنها غير محددة بعددها في الكتاب والسنة حتى يجتهد الناس في الدعاء بكل الأسماء الحسنى الموجودة في الكتاب والسنة لكي يكون بذلك قد دعا الله بالتسعة والتسعين اسماً ، وشبيه ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-عن يوم الجمعة : (فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ الله شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) (<4>)، حتى وإن قلنا هي آخر ساعة بعد العصر ، فنحن لا نعرفها تحديداً ، فالذي يمكث من العصر إلى المغرب يوم الجمعة يذكر الله ، سوف يدرك هذه الساعة ، وكذلك ليلة القدر في العشر الأواخر ، لكن أية ليلة هي تحديداً ؟! فنحن نطلبها في العشر الأواخر بأن نقوم العشر الأواخر كلها حتى ندرك ليلة القدر .

فكذلك لكي ندرك التسعة والتسعين اسماً، وندعو الله بها، ونتعبد لله بها ، فالسبيل لذلك أن نتعبد بكل ما ورد في الكتاب والسنة.

واجتهاد بعض العلماء القدامى والمعاصرين في تحديد تسعة وتسعين اسماً لله تعالى، بما فيها الأخذ برواية الترمذي(<5>)، فجَمْعُ هذه الأسماء محاولة من أهل العلم لحصر الأسماء التسعة والتسعين ، والصحيح أنه مجرد اجتهاد ، ونحن نحاول أن نجتهد في كل الأسماء التي وردت ، وندعو الله -عز وجل- بها ، فإذا فعلنا ذلك فبإذن الله تبارك وتعالى نكون دعونا الله بالتسعة والتسعين اسماً ، وأحصينا التسعة والتسعين اسماً ضمن هذه الأسماء الحسنى الموجودة في الكتاب والسنة.

اشتقاق الأسماء

هل يصح اشتقاق أسماء لله -تعالى- مما ورد فيه أفعال في القرآن العظيم ؟

نقول : قال الله -تعالى-: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)(لأعراف:180) فالأسماء لابد أن تكون حسنى ـ سواء أكان ذلك في اشتقاق أم كان ذلك في إطلاق الأسماء التي وردت بصيغة الاسم ـ ، فمثلاً قوله -تعالى-: (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (الواقعة:64)، قد ورد هذا الاسم بصيغة الاسم « الزارعون » ، فهل نقول إن من أسماء الله الحسنى « الزارع » ؟! نقول : لابد أن تكون الأسماء حسنى ، فهذا الاسم عندما ورد في هذا السياق دل على الكمال ، لكن لا يجوز أن تجرده عن السياق ، بمعنى أنه لا يجوز أن تطلقه بعيداً عن السياق ، وكذلك لا يجوز أن يُقال : إن الله رابع ثلاثة ، ولا سادس خمسة ، لأن ذلك يوهم نقصاً ، وكذلك لا نقول : إن الله ماكر ، أو خادع ، أو مستهزئ ، استناداً إلى قوله -تعالى-: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ)(آل عمران:54)، وقوله: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(البقرة: من الآية15)، وقوله: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)(النساء: 142).

لأن كلمات: « ماكر ، وخادع ، ومستهزئ » تستعمل في اللغة على معنى النقص والذم ، وأسماء الله حسنى، فلابد أن تُسْتَعْمَل أو تشتق اشتقاقاَ يدل على الكمال المطلق لله -تعالى-، فنقول : الله خير الماكرين ، الله مستهزئ بالمنافقين ، إن المنافقين يخادعون الله وهو خادِعُهم ، فكلمة « خادِعُهم » اسم ، ولكن لا نقول : هو خادع ، بل نقولها في سياقها.

أما الأسماء المطلقة ـ في السياق أو خارجه ـ فهي التي تدل بذاتها على الكمال المطلق، مثل : « العلي ، العظيم ، الحليم ، العليم ، السميع ، البصير » سواء أكانت مشتقة أم وردت بصيغة الاسم فلا يشتق مطلقاً إلا ما دل على الكمال ، والله أعلى وأعلم

وبعض العلماء يرفض الاشتقاق أصلاً ، بل لابد عندهم أن يكون الاسم ورد بلفظ الاسم ، لكن الصحيح الذي عليه عامة السلف أنهم يصححون الاشتقاق بشرط أن يكون المعنى صحيحاً ، دالاً على الكمال (1) ولا يوهم نقصاً بوجه من الوجوه ، مثل : اسم « الستَّار » مثلاً ، فالذي ورد في الحديث « الستير » ، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ ، يُحِبُّ الحَيَاءَ وَالسَّــتْرَ ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ) (۲)، وكذلك يجوز أن نقول: إن الله ستَّار ، لأن هذا الاسم قريب جداً في المعنى من اسم الستير، ويدل على معنى كمال مثلما يدل اسم الستير تماماً ، فلا مانع من أن نقول : إن الله هو الستَّار ، أما كلمة « ساتر » : فقد تستعمل بمعنى الحائط ، وبمعنى الستارة ، فلا يجوز أن نقول: « يا ساتر يا رب »، بل نقول: « يا سَتَّار يا رب »، والأفضل أن نقول: « يا ستِّير يا رب».

 

 



(1) للأسف الشديد هناك من المسلمين ، بل من المنتسبين للدعوة يهنئونهم بعيد القيامة المجيد ! فكيف تهنئ من يحتفل بقوله : « إن الله مات يوم الخميس وقام يوم الأحد » ؟!! فهو يَسُبُّ الله -عز وجل-، فالتهنئة بهذا مقتضاها الرضا بهذا الكلام.

(2) السِنَة: الغَفوة.

(3) رواه ابن حبان (973) ، والبزار (1994) ، ورواه أحمد ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة وفي صحيح الترغيب والترهيب (1/2-383) .

(4) رواه البخاري (6037) بنحوه ، ومسلم (852) واللفظ له .

(5) التي ذكر فيها : « هُوَ اللهُ الَّذي لا إِلَه إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ المُصَوِّرُ الْغَفَّارُ الْقَهَّارُ الْوَهَّابُ الرَّزَّاقُ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الْخَافِضُ الرَّافِعُ المُعِزُّ المُذِلُّ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْحَكَمُ الْعَدْلُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الْحَلِيمُ الْعَظِيمُ الْغَفُورُ الشَّكُورُ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ الْحَفِيظُ المُقِيتُ الْحَسِيبُ الْجَلِيلُ الْكَرِيمُ الرَّقِيبُ المُجِيبُ الْوَاسِعُ الْحَكِيمُ الْوَدُودُ المَجِيدُ الْبَاعِثُ الشَّهِيدُ الْحَقُّ الْوَكِيلُ الْقَوِيُّ المَتِينُ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ المُحْصِي المُبْدِئُ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الْوَاجِدُ المَاجِدُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ الْقَادِرُ المُقْتَدِرُ المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ الْبَاطِنُ الْوَالِيَ المُتَعَالِي الْبَرُّ التَّوَّابُ المُنْتَقِمُ الْعَفُوُّ ... ».

(1) كاسم المُنْعِم : فهو لم يرد ، ولكنه اسم يدل على الكمال ، وهو سبحانه المُنْعِم على الحقيقة، ولا نقص في ذلك ، والمتتبع لما ورد عن السلف في تعيين الأسماء والصفات يجد أنهم قد استخرجوا أسماء لله من القرآن بالاشتقاق ، يقول ابن حجر ـ رحمه الله ـ بعد أن بين أن تعيين الأسماء الواردة في رواية الترمذي ضعيف وأنه مدرج : < وَإِذَا تَقَرَّرَ رُجْحَان أَنَّ سَرْد الأَسْمَاء لَيْسَ مَرْفُوعًا فَقَدِ اعْتَنَى جَمَاعَة بِتَتَبُّعِهَا مِنْ القُرْآن مِنْ غَيْر تَقْيِيد بِعَدَد , فَرُوِّينَا فِي « كِتَاب المِائَتَيْنِ » لأَبِي عُثْمَان الصَّابُونِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى مُحَمَّد بْن يَحْيَى الذُّهَلِيّ أَنَّهُ اِسْتَخْرَجَ الأَسْمَاء مِنْ القُرْآن , وَكَذَا أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْم عَنْ الطَّبَرَانِيّ عَنْ أَحْمَد بْن عَمْرو الخَلال عَنْ اِبْن أَبِي عَمْرو حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الحُسَيْن سَألت أَبَا جَعْفَر بْن مُحَمَّد الصَّادِق عَنْ الأَسْمَاء الحُسْنَى فَقَالَ : هِيَ فِي القُرْآن ، وَرُوِّينَا فِي « فَوَائِد تَمَّام » مِنْ طَرِيق أَبِي الطَّاهِر بْن السَّرْح عَنْ حِبَّان بْن نَافِع عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة الحَدِيث , يَعْنِي حَدِيث « إِنَّ لله تِسْعَة وَتِسْعِينَ اِسْمًا » ، قَالَ فَوَعَدَنَا سُفْيَان أَنْ يُخْرِجهَا لَنَا مِنْ القُرْآن فَأَبْطَأَ , فَأَتَيْنَا أَبَا زَيْد فَأَخْرَجَهَا لَنَا ، فَعَرَضْنَاهَا عَلَى سُفْيَان فَنَظَرَ فِيهَا أَرْبَع مَرَّات وَقَالَ : نَعَمْ هِيَ هَذِهِ , وَهَذَا سِيَاق مَا ذَكَرَهُ جَعْفَر وَأَبُو زَيْد قَالا : فَفِي الفَاتِحَة خَمْسَة « اللَّه رَبّ الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالِك » ، وَفِي البَقَرَة « مُحِيط قَدِير عَلِيم حَكِيم عَلِيّ عَظِيم تَوَّاب بَصِير وَلِيّ وَاسِع كَافٍ رَءُوف بَدِيع شَاكِر وَاحِد سَمِيع قَابِض بَاسِط حَيّ قَيُّوم غَنِيّ حَمِيد غَفُور حَلِيم »، وَزَادَ جَعْفَر : « إِلَه قَرِيب مُجِيب عَزِيز نَصِير قَوِيّ شَدِيد سَرِيع خَبِير » ، قَالا : وَفِي آل عِمْرَان « وَهَّاب قَائِم » ، زَادَ جَعْفَر الصَّادِق « بَاعِث مُنْعِم مُتَفَضِّل » ، وَفِي النِّسَاء « رَقِيب حَسِيب شَهِيد مُقِيت وَكَيْل » ، زَادَ جَعْفَر « عَلِيّ كَبِير » ، وَزَادَ سُفْيَان « عَفُوّ » ، وَفِي الأَنْعَام « فَاطِر قَاهِر » ، وَزَادَ جَعْفَر « مُمِيت غَفُور بُرْهَان » ، وَزَادَ سُفْيَان « لَطِيف خَبِير قَادِر » ، وَفِي الأَعْرَاف « مُحْيِي مُمِيت » ، وَفِي الأَنْفَال « نِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير » ، وَفِي هُود « حَفِيظ مَجِيد وَدُود فَعَّال لِمَا يُرِيد » ، زَادَ سُفْيَان « قَرِيب مُجِيب » ، وَفِي الرَّعْد « كَبِير مُتَعَال » ، وَفِي إِبْرَاهِيم « مَنَّان » ، زَادَ جَعْفَر « صَادِق وَارِث » ، وَفِي الحِجْر « خَلَّاق » ، وَفِي مَرْيَم « صَادِق وَارِث » ، زَادَ جَعْفَر « فَرْد » ، وَفِي طَه عِنْد جَعْفَر وَحْدَه « غَفَّار » ، وَفِي المُؤْمِنِينَ « كَرِيم » ، وَفِي النُّور « حَقّ مُبِين » ، زَادَ سُفْيَان « نُور » ، وَفِي الفُرْقَان « هَادٍ » ، وَفِي سَبَأ « فَتَّاح » ، وَفِي الزُّمَر « عَالِم » عِنْد جَعْفَر وَحْدَه , وَفِي المُؤْمِن « غَافِر قَابِل ذُو الطَّوْل » ، زَادَ سُفْيَان « شَدِيد » ، وَزَادَ جَعْفَر « رَفِيع » ، وَفِي الذَّارِيَات « رَزَّاق ذُو القُوَّة المَتِين » بِالتَّاءِ ، وَفِي الطُّور « بَرّ » ، وَفِي اِقْتَرَبَتْ « مُقْتَدِر » ، زَادَ جَعْفَر « مَلِيك » ، وَفِي الرَّحْمَن « ذُو الجَلال وَالإِكْرَام » ، زَادَ جَعْفَر « رَبّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبّ المَغْرِبَيْنِ بَاقِي مُعِين » ، وَفِي الحَدِيد « أَوَّل آخِر ظَاهِر بَاطِن » ، وَفِي الحَشْر « قُدُّوس سَلام مُؤْمِن مُهَيْمِن عَزِيز جَبَّار مُتَكَبِّر خَالِق بَارِئ مُصَوِّر » ، زَادَ جَعْفَر « مَلِك » ، وَفِي البُرُوج « مُبْدِئ مُعِيد » ، وَفِي الفَجْر « وَتْر » عِنْد جَعْفَر وَحْده , وَفِي الإِخْلَاص « أَحَد صَمَد » ، هَذَا آخِر مَا رُوِّينَاهُ عَنْ جَعْفَر وَأَبِي زَيْد وَتَقْرِير سُفْيَان مِنْ تَتَبُّع الأَسْمَاء مِنْ القُرْآن , وَفِيهَا اِخْتِلَاف شَدِيد وَتَكْرَار وَعِدَّة أَسْمَاء لَمْ تَرِد بِلَفْظِ الاسْم وَهِيَ : « صَادِق مُنْعِم مُتَفَضِّل مَنَّان مُبْدِئ مُعِيد بَاعِث قَابِض بَاسِط بُرْهَان مُعِين مُمِيت بَاقِي » ، وَوَقَفْت فِي كِتَاب « المَقْصِد الأَسْنَى » لأَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الزَّاهِد أَنَّهُ تَتَبَّعَ الأَسْمَاء مِنْ القُرْآن فَتَأَمَّلْتهُ فَوَجَدْتهُ كَرَّرَ أَسْمَاء وَذَكَرَ مِمَّا لَمْ أَرَهُ فِيهِ بِصِيغَةِ الاسْم « الصَّادِق وَالكَاشِف وَالعَلام » > ا . هـ . < فتح الباري ـ كتاب الدعوات ـ باب قوله « لا حول ولا قوة إلا بالله » > .

فعلى سبيل المثال من الأسماء التي استُخرجت بالاشتقاق « المُبْدِئ المعيد » وهذان الاسمان مما اتفق عليه الثلاثة سفيان وجعفر الصادق وأبو زيد اللغوي كما ترى ، وقد نقل جماعات من العلماء من المتقدمين والمتأخرين عن هؤلاء الأئمة هذه الأسماء بما فيها الأسماء المُشتقة دون نكير ، ولم يقل أحد منهم أن الأسماء توقيفية بمعنى أنها لا يجوز فيها الاشتقاق ، وذلك والله أعلم لأن الاشتقاق عندهم لا ينافي التوقيف مادامت الأسماء تدل على الكمال المطلق ، وإنما الذي ينافيه اختراع أسماء لم تَرِدْ ولم يدل عليها فعل ولا صفة كـ « مهندس الكون العظيم » و« الرمضان » و« العلة الأولى » ونحو ذلك .

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ بعد بيان أن التعيين للأسماء الواردة في رواية الترمذي مُدْرَجٌ كذلك ـ فيقول : « ولهذا جمعها قوم آخرون على غير هذا الجمع واستخرجوها من القرآن منهم سفيان بن عيينة والإمام أحمد بن حنبل وغيرهما » < مجموع الفتاوى (6/380) > ، بل هذا شيخ الإسلام يُقِرُ العلماء الذين ذكروا أن من أسماء الله « المغيث والغياث » ، فيقول ـ رحمه الله ـ : « قالوا من أسماء الله تعالى المغيث والغياث وقد جاء ذكر المغيث في حديث أبي هريرة ، قالوا واجتمعت الأمة على ذلك » ا . هـ < مجموع الفتاوى (1/111) > ، ومعلوم أن هذه الأسماء لم ترد بسند صحيح بلفظ الاسم مطلقاً ، وإنما استخرجها العلماء بالاشتقاق .

وكذلك ابن القيم ـ رحمه الله ـ يذكر أن من أسماء الله تعالى « المعطي المانع الضار النافع المنتقم العفو المعز المذل » ، وإن كان « المنتقم » لم يرد في القرآن مطلقاً ، بل ورد مقيداً بالمجرمين كما قال -تعالى-: (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)(السجدة: من الآية22)، وهذه كلها أسماء مشتقة ، فيقول رحمه الله : « السابع عشر : أن أسماءه تعالى منها ما يطلق عليه مفرداً ومقترناً بغيره ، وهو غالب الأسماء ، كالقدير والسميع والبصير والعزيز والحكيم ، وهذا يسوغ أن يُدْعى به منفرداً ومقترناً بغيره ، فتقول : يا عزيز ، يا حليم ، يا غفور ، يا رحيم ، وأن يفرد كل اسم ، وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع ، ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده ، بل مقروناً بمقابله كالمانع والضار والمنتقم فلا يجوز أن يُفرد هذا عن مقابله فإنه مقرون بالمعطي والنافع والعفو ، فهو المعطي المانع ، الضار النافع ، المنتقم العفو ، المعز المذل ، لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله ، لأنه يُراد به أنه المنفرد بالربوبية وتدبير الخلق والتصرف فيهم عطاءً ومنعاً ، ونفعاً وضراً ، وعفواً وانتقاماً ، وأما أن يُثْنَى عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار فلا يسوغ ، فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض ، فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد ، ولذلك لم تجئ مفردة ولم تُطْلَقْ عليه إلا مقترنة فاعلمه ، فلو قلتَ : يا مذل ، يا ضار ، يا مانع ، وأخبرتَ بذلك لم تكن مثنياً عليه ، ولا حامداً له حتى تذكر مقابلها » ا. هـ .

فها هو -رحمه الله- يذكر هذه الأسماء ، وقرنها بأسماء السميع والبصير والقدير والعزيز والحكيم حتى لا يقال إن ابن القيم ـ رحمه الله ـ يقصد أن هذه الأسماء تطلق عليه سبحانه من باب الإخبار .

وكذلك الشيخ حافظ حكمي ـ رحمه الله ـ في كتاب « معارج القبول » يذكر أن هذه الأسماء من أسماء الله الحسنى فيقول -رحمه الله-: واعلم أن من أسماء الله  ما لا يُطْلَقُ عليه إلا مقترناً بمقابله فإذا أُطْلِق وحده أوهم نقصاً ، تعالى الله عن ذلك ، فمنها المعطي المانع ، والضار النافع ، والقابض الباسط ، والمعز المذل ، والخافض الرافع ، فلا يُطْلَقُ على الله المانع الضار القابض المذل الخافض كلاً على انفراده ، بل لابد من ازدواجها بمقابلاتها، إذ لم تُطْلَقْ في الوحي إلا كذلك ، ومن ذلك المنتقم لم يأت في القرآن إلا مضافاً إلى «ذو» كقوله -تعالى-: ( وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)(آل عمران: من الآية4)، أو مقيداً بالمجرمين كقوله -تعالى-: (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)(السجدة: من الآية22)أ.هـ . مع ملاحظة أن « القابض الباسط » قد جاء ذِكرهما في حديث ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، صححه الألباني في الصحيحة رقم 1846.

لكن ابن القيم ـ رحمه الله ـ اشتد نكيره على من يشتق من الأفعال المقيدة لا المطلقة ، فيقول ـ رحمه الله ـ : « الثالث : أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيداً أن يُشْتَق له منه اسم مطلق ، كما غلط فيه بعض المتأخرين فجعل من أسمائه الحسنى « المضل الفاتن الماكر » ، تعالى الله عن قوله ، فإن هذه الأسماء لم يُطْلَقْ عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة ، فلا يجوز أن يُسمى بأسمائها المطلقة والله أعلم » ا. هـ

وينقل ذلك عنه أيضاً الشيخ حافظ حكمي ـ رحمه الله ـ فيقول : « وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى- : إن الله تعالى لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء مطلقاً ، ولا ذلك داخل في أسمائه الحسنى ، ومن ظن من الجهال المصنفين في شرح الأسماء الحسنى أن من أسمائه تعالى الماكر المخادع المستهزئ الكائد ، فقد فاه بأمر عظيم تقشعر منه الجلود وتكاد الأسماع تُصَمُّ عند سماعه ، وغر هذا الجاهل أنه -سبحانه وتعالى- أطلق على نفسه هذه الأفعال فاشتق له منها أسماء ، وأسماؤه تعالى كلها حسنى فأدخلها في الأسماء الحسنى وقرنها بالرحيم الودود الحكيم الكريم ، وهذا جهل عظيم فإن هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقاً بل تُمدح في موضع وتُذم في موضع فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله تعالى مطلقاً ، فلا يُقال إنه تعالى يمكر ويخادع ويستهزئ ويكيد ، فكذلك بطريق الأولى لا يُشْتَقُ له منها أسماء يُسَمَى بها ، بل إذا كان لم يأت في أسمائه الحسنى المريد والمتكلم ولا الفاعل ولا الصانع لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم وإنما يُوصَف بالأنواع المحمودة منها كالحليم والحكيم والعزيز والفعال لما يريد ، فكيف يكون منها الماكر والمخادع والمستهزئ ، ثم يلزم هذا الغالط أن يجعل من أسمائه الحسنى : الداعي والآتي والجائي والذاهب والقادم والرائد والناسي والقاسم والساخط والغضبان واللاعن إلى أضعاف أضعاف ذلك من التي أطلق تعالى على نفسه أفعالها في القرآن ، وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل ، والمقصود أن الله -سبحانه وتعالى- لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق ، وقد عُلِمَ أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق فكيف من الخالق -سبحانه وتعالى- » ا.هـ . فإنَّ ابن القيم ـ رحمه الله ـ إنما شنع على من أخطأ واشتق من الأفعال المقيدة والتي لم ترد مطلقة وإنما هي كمال في ما سيقت فيه ، يقول ـ رحمه الله ـ : « فصل : والرب تعالى يُشْتَقُّ له من أوصافه وأفعاله أسماء ولا يُشْتَقُّ له من مخلوقاته ، وكل اسم من أسمائه فهو مشتق من صفة من صفاته أو فعل قائم به » ا. هـ . < شفاء العليل ص 271> .

(۲) رواه أبـو داود (4012) ، والنسـائي (406) ، وأحمد (17999) ، وحسنه الألباني في المشكاة (447).