الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 28 أغسطس 2010 - 18 رمضان 1431هـ

حول مسلسل كارتوني تعرضه فضائية إسلامية يتعرض لقضية الولاء والبراء

السؤال:

عرضت إحدى القنوات الفضائية الإسلامية مسلسلاً كرتونيًا في رمضان تضمن تبرع مسلم لجاره النصراني بمبلغ عشرة آلاف جنيه؛ ليستكمل بها مصروفات عملية جراحية، في الوقت الذي كان فيه هذا المسلم منتظرًا للسجن إن لم يسدد هذا المبلغ لصاحب دينٍ عليه فورًا، وفضل السجن من أجل إنقاذ جاره النصراني، إلا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى للدائن في المنام وأمره بالعفو عن هذا المسلم، وهو ما فسرته زوجته بأنه رضا من الله ورسوله عن صنيعهم بجارهم النصراني، مع العلم أن التي أخذت المبلغ زوجة جاره، وقد دخلت عليه هو وامرأته وهي متبرجة متزينة، كما تضمن المسلسل صداقة ابن الأسرة المسلمة مع ابن الأسرة النصرانية وذهابهما ومجيئهما معًا من المدرسة وإليها.

وقد اختلف الشباب في المنتديات بين قائل: إن هذا كلام حق ولا غبار عليه، وبين قائل: إنه حق، ولكن توقيته غير مناسب من أجل قصة "الأخت كاميليا"، وبين قائل: إنه يكرس لتمييع قضية الولاء والبراء، وكثير من الشباب يقول: إنه يستنكر الكلام، ولكن يستغرب سكوت الشيوخ على ذلك، وكأنه إقرار؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالإحسان إلى الكفار الذين لم يقاتلونا في الدين ولم يظاهروا علينا أمر مشروع، قال الله -تعالى-: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:8-9).

ولكن لا يكون هذا على حساب حق مسلم آخر؛ فالواجب إذا كان يريد التبرع والإحسان لمسلم أو كافر أن يتبرع من حقه وماله لا من مال غيره، أو يستأذن صاحب الحق أولاً.

وادعاء رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام ليُقرر حكمًا معينًا أو يرغب أو يصحح تصرفًا بعينه داخل في عموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ) (رواه البخاري)، بل هذا أشد وأغلظ؛ فلا يجوز استعمال ذلك في الأفلام والمسلسلات كرتونية كانت أو بشرية.

أما الإيحاءات التي تضمنها هذا المسلسل فهي مفهومة معلومة لكل عاقل في هذا التوقيت الذي يحاول أعداء الإسلام هدم قضية الولاء والبراء في حس المجتمع المسلم؛ خصوصًا أن الذي يعرض عليهم جواز الإحسان والبر لا يعرض عليهم شيئًا من معاني البراء الواجب: كالبغض، والعداوة (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4)، بل ويعرض عليهم نقيض ذلك من ادعاء عدم الفرق بين المسلم والنصراني، وتسمية قتلى النصارى في الحروب القومية بالشهداء! وغير ذلك كثير...

فالانطباع الذي يخرج به المشاهِد من هذا "المجموع" هو في حقيقة الأمر يصب في تمييع قضية الولاء والبراء كما يريده المنافقون -فالله المستعان-.

وعامة الشيوخ لا يعرفون شيئًا عن هذه المسلسلات ولا غيرها؛ حيث إنهم ليس عندهم أجهزة تليفزيون، ولا وقت عندهم لو كان عندهم للنظر إليها خاصة في شهر رمضان؛ فلا يصح أن ينسب لهم إقرار ذلك.