الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 17 سبتمبر 2006 - 24 شعبان 1427هـ

الأمين (3) يوم أحد

كتبه/ مصطفى دياب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلم يكن "أبو عبيدة" أمينًا فحسب، وإنما كان يجمع القوة إلى الأمانة، وقد برزت هذه القوة يوم بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- جماعة من الصحابة يتلقون عيرًا لقريش، وأمَّر عليهم أبا عبيدة -رضي الله عنهم جميعًا- وزودهم جرابًا من تمر لم يجد لهم غيره، فكان أبو عبيدة -رضي الله عنه- يعطي الرجل من أصحابه كل يوم تمرة، فيمصها الواحد منهم كما يمص الصبي ضرع أمه، ثم يشرب عليها الماء، فكانت تكفيه يومه إلى الليل.

وقد اضطر أفراد هذه السرية إلى أن يأكلوا ورق الشجر وهو ما يعرف بـ"الخبط إذ ينفض بالمخابط ويجفف و يطحن، لذا؛ سميت هذه السرية:" سرية الخبط وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أحد أفراد هذه السرية.

يوم "أحد":

وفي يوم "أحد" حين هزم المسلمون، وطفق صائح المشركين ينادي: "دلوني على محمد.. دلوني على محمد" كان أبو عبيدة أحد النفر العشرة الذين أحاطوا بالرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ ليذودوا عنه بصدورهم رماح المشركين.

فلما انتهت المعركة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد كسرت رباعيته وشج جبينه، وغارت في وجنته -صلى الله عليه وسلم- حلقتان من حلق درعه، فأقبل عليه الصديق -رضي الله عنه- يريد انتزاعهما من وجنته، فقال له أبو عبيدة: "أقسم عليك أن تترك ذلك لي" فتركه، فخشي أبو عبيدة إن اقتلعهما بيده أن يؤلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعض على أولاهما بثنيته عضًّا قويًّا محكمًا فاستخرجها، ووقعت ثنيته، ثم عض على الأخرى بثنيته الثانية فاقتلعها فسقطت ثنيته الثانية فقال أبو بكر -رضي الله عنه-:" فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتمًا".

لم يتخلف ولم يتأخر:

لقد شهد "أبو عبيدة" مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المشاهد كلها منذ صحبه إلى أن وافاه اليقين، ولم يكن "أبو عبيدة" في يوم من الأيام راغبًا في زعامة أو سلطان، وقد تجلى إيثاره العظيم بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فجند نفسه مجاهدًا في سبيل الدعوة إلى الله -عز وجل-.

فلما كان يوم "السقيفة" وقف "أبو عبيدة" -رضي الله عنه- موقفًا رائعًا حين احتدم النقاش بين المهاجرين والأنصار، وقف خطيبًا في الأنصار، وقال لهم: "يا معشر الأنصار، كنتم أول من آزر ونصر، فلا تكونوا أول من بدل وغيَّر"، وكانت هذه الكلمات القوية هي فيصل اللقاء، فأعادت الرشد بهدوء إلى قلوب الأنصار.

وأخذ أبو بكر -رضي الله عنه- بيد أبي عبيدة وبيد عمر، وقال: "قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم" فقالا: "لا ينبغي لأحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون فوقك يا أبا بكر، أنت صاحب الغار مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وثاني اثنين، وأمرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين اشتكى فصليت بالناس بهذا الأمر" فأخذ عمر بيد أبي بكر وبايعه، وتسابق الناس على البيعة.

فكان "أبو عبيدة" -رضي الله  عنه- خير نصيح  في الحق، وأكرم معوان له على الخير، ومن هذا أن عليًّا -رضي الله عنه- كان قد تخلف عن بيعة أبي بكر -رضي الله عنه- فذهب إليه "أبو عبيدة" وقال له بلطف وهدوء وبشاشة: "يا ابن عم إنك حديث السن، وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر، وإنك إن تعش ويطل بك بقاء، فأنت لهذا الأمر خليق وحقيق بفضلك ودينك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك".

بهذه الكلمات الرائعة تحدث "أبو عبيدة" -رضي الله عنه-  وجاء رد علي -رضي الله عنه- عظيمًا أيضًا، قال علي لأبي عبيدة -رضي الله عنهما-: "لن تر مني إلا ما يسر، ولن ير مني أبو  بكر إلا ما يرضيه".

وإلى اللقاء -إن شاء الله- في العدد القادم نتابع صفحات من سيرة أمين الأمة "أبو عبيدة بن الجراح".

تحليل وفوائد:

1- ضعف الإمكانات لا يكون عائقًا لتنفيذ الطاعات، فها هو "أبو عبيدة" يقود جيشًا زاده جراب من تمر، فكان الإنفاق بقدر سد الحاجة أو أقل، فقد كان نصيب كل واحد تمرة واحدة في اليوم، يمصها ويشرب عليها الماء، فلا تتعلل بقلة الإمكانيات، واجتهد في تحصيل الطاعات، وحضور مجالس العلم و العلماء.

2- الدين النصيحة، لقد كان "أبو عبيدة" خير ناصح، وأكرم معوان على الخير، فقد نصح لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ويجب علينا أن ننصح لإخواننا في الله، وللمسلمين عامة.

3- سلامة قلوب الصحابة -رضي الله عنهم في قول علي -رضي الله عنه-: "لن تر مني إلا ما يسر، ولن ير مني أبو بكر إلا ما يرضيه"، فأين سلامة قلوبنا؟ وإنما نعيش بالقرآن والسنة، ولننتبه لسهام العدو المصوبة إلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

أمست معاني النصر من كلماتي         لأذب عن عرض الرسول بذاتي

أحمي الرسول بما ملكت منافحًا         بالشعـر أكتـبه علـى الـورقـــات

لا لـم يُـضــر نـبـيـنـا بـحـديـثـكــم           بـل زاد قـدرًا عــالي الـطبـقات

يفـدي النـبـي محـمـدًا كل الورى         هـو مـرسـل الـرحـمـن بالآيـات

نـحـري بـنحـرك يـا محـمـد إنني          متــلهـف للقـائــكــم بـمــمـاتـي

عرضي بعرضــك يا نبـي مليكنا          حـان الوقـوف لعـرضكـم بثبـات