الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 29 ديسمبر 2025 - 9 رجب 1447هـ

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (243) بناء إبراهيم -عليه السلام- البيت وتأذينه في الناس بالحج (26)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).

تكملة الفائدة الثامنة في الأحاديث الواردة عن تطهير المساجد من أن تبنى على القبور أو تتخذ فيها القبور:

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بين القبور" (رواه البزار في مسنده بسندٍ رجاله رجال الصحيح). وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا) (رواه البخاري ومسلم).

وعن علي زين العابدين بن الحسين -رضي الله عنهما-: أنه رأى رجلًا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيدخل فيها ويدعو، فدعاه فقال: ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلَا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ وتَسْلِيمَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُمَا كُنْتُمْ) (رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو حديث حسن بطرقه وشواهده، كما ذكر ذلك الشيخ الألباني في كتابه: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد). وهذا حديث مسلسل بأئمة أهل البيت.

وفيه فائدة عظيمة: أن تخصيص القبر بالدعاء عنده وداخله، هو مِن اتخاذ القبر عيدًا. ومعنى: لا تتخذوا بيوتكم قبورًا يشمل أحد معنيين: الأول: لا تجعلوها قبورًا بترك الصلاة فيها؛ لأن القبور لا يُصلَّى فيها. والمعنى الثاني: لا تدفنوا في البيوت، وادفنوا في مقابر المسلمين؛ إلا ما كان من الأنبياء الذين يُدفنون حيث ماتوا، ودُفِن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجرة عائشة -رضي الله عنها-، ودفن أبو بكر وعمر بجواره لأجل فضيلة الدفن بجواره -عليه الصلاة والسلام-.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُمَا كُنْتُمْ) (رواه أحمد في المسند، وهو شاهد للحديث الذي قبله، وحسنه الشيخ الألباني في تحذير الساجد).

وعن سهيل بن أبي سهيل: أنه رأى قبرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- فالتزمه ومَسَح، قال: فحصبني -أي رماني بالحصباء- حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَتَّخِذُوا بَيْتِي عِيدًا، وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ قَبْرًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي) (رواه عبد الرزاق في المصنف، وهو مرسل صحيح يشهد له ما تقدَّم).

ورواه القاضي إسماعيل في فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بلفظ أتم، وهو: عن سهيل قال: جئت أسلِّم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وحسن بن حسن يتعشى في بيت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- (قلتُ: أي: عند قبره)، فدعاني فجاءته فقال: ادنُ (تعشَّ)، قال: قلت لا أريده، قال: ما لي أراك وقفت؟ قال: وقفت أسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: إذا دخلت المسجد فسلِّم عليه، ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُمَا كُنْتُمْ)، قال الشيخ الألباني: "حديث صحيح"؛ يعني بشواهده، وإلا فهو مرسل، لكنه صحيح بشواهده.

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا) وفي رواية عنه: (اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا) (رواه مسلم والبخاري والترمذي والنسائي).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) (رواه مسلم، والترمذي وصححه).

وعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: ألا أبعثك على ما بعثني عليه خليلي -صلى الله عليه وسلم-: (أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا -(أي: مرتفعًا)- إِلَّا سَوَّيْتَهُ) (رواه مسلم في باب الأمر بتسوية القبور، والترمذي في الجنائز). وبمعناه وبسياق أتم: ما رواه أبو محمد الهذلي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة، فقال: "أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع فيها وثنًا إلا كسره، ولا قبرًا إلا سواه، ولا صورة إلا لطخها؟"، فقال رجل: أنا يا رسول الله، فانطلق فهاب أهل المدينة فرجع، فقال علي: أنا أنطلق يا رسول الله. قال: "انطلق"، ثم رجع فقال: يا رسول الله لم أدع بها وثنًا إلا كسرته، ولا قبرًا إلا سويته، ولا صورة إلا لطختها، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عَادَ لِصَنْعَةِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-"، ثم قال: "لا تكونن فتَّانًا ولا مختالًا، ولا تاجرًا إلا تجارةَ خَيْر؛ فَإِنَّ أولئك هُمْ المَسْبُوقون بالعمل" (رواه أحمد بسند ضعيف، ويشهد لجزء التسوية ما قبله، وأيضًا ما يأتي بعده).

ومعنى فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو: إما بمعنى الكفر الأصغر إذا لم يَعبد القبور التي في المساجد. وإما بمعنى أنه يؤول إلى الكفر ويصير إليه؛ لأن اتخاذ القبور مساجد ذريعة تؤدي إلى الشرك -كما هو مشاهد وكما هو معلوم-.

وعن جرير بن حيان عن أبيه -ويكنى أبا الهياج الأسدي-: أن عليًا -رضي الله عنه- قال لأبيه: "لأبْعَثَنَّكَ فِيمَا بَعَثَنِي فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ‌أَنْ ‌أُسَوِّيَ ‌كُلَّ ‌قَبْرٍ، ‌وَأَنْ ‌أَطْمِسَ ‌كُلَّ ‌صَنَمٍ" (رواه أحمد في المسند ومسلم، وهو شاهد لما قبله).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.