الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 17 ديسمبر 2025 - 26 جمادى الثانية 1447هـ

خطر فتنة التكفير على الشباب وواجب البيان في زمن الفتن (2)

كتبه/ رجب أبو بسيسة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد ذكرنا -في المقال السابق- أن الشرع كما جاء بحكم التكفير لمن استحق التكفير ممن حادَّ الله ورسوله وحارب دينه، وصدّ عنه وعاداه، جاء أيضًا بالنهي الشديد عن التكفير بغير حق، بل نهى عما هو أقل من التكفير كالتفسيق والتبديع والظن السيئ؛ فالتكفير من باب أولى.

ومن أدلة ذلك:

- خُطورة التكفير بلا علم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، ‌فَقَدْ ‌بَاءَ ‌بِهَا أَحَدُهُمَا) (متفق عليه).

- وجوب التثبُّت قبل إصدار الأحكام: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات: 6).

- التحذير من الفتن: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَتَكُونُ فِتَنٌ، ‌الْقَاعِدُ ‌فِيهَا ‌خَيْرٌ ‌مِنَ ‌الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُْهُ) (متفق عليه).

- النهي عن الغلو في الدين: قال -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِيَّاكُمْ ‌وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

- صفة الخوارج الذين هم بذرة التكفير الأولى: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌يَقْتُلُونَ ‌أَهْلَ ‌الْإِسْلَامِ ‌وَيَدَعُونَ ‌أَهْلَ ‌الْأَوْثَانِ) (متفق عليه). وهذه صفةٌ خطيرة اجتمعت في كل مذاهب التكفير.

- الرجوع لأهل العلم: قال -تعالى-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النحل: 43)، فأهل الذكر هم أهل العلم، وقد ورد عن كثير منهم قولهم: "لَأن أُخْطِئَ في تكفير مسلم، خير لي من أن أرمي مسلمًا بالكفر وهو ليس كذلك".

والشباب إذا لم يأخذوا العلم من أهله الراسخين تَلَاعَبَتْ بهم العواطف والخطابات الحماسية.

رابعًا: محاضرات وخطب تزرع الفتنة:

انتشرت على شبكة النَّتِّ ومواقع التواصل محاضرات وخطب يغلب عليها:

- تجريم السلمية.

- الدعوة إلى الصدام.

- فتاوى الاعتداء.

- ألفاظ تحتقر المجتمع وَتُكَفِّرُ الأنظمة.

- تشويه مفهوم الصبر والإصلاح.

هذه المواد موجودة ومنتشرة ولم تختفِ، وهي لا تزال تُتَدَاوَلُ، فتؤثر في الشباب الذي لم يتلقَّ العلم الشرعي الصحيح، وتغذّي روح المواجهة والتكفير والانعزال.

خامسًا: الفتنة حين تدخل بيتك:

الفتنة حين تدخل بيتك تغيّر كل شيء.. تغيّر الفكر والقلب، والرؤية والاعتقاد، ومن ثم تبني منهجًا صداميًا مُعَادِيًا.

ومن لم يُبْتَلَ بفقدِ ابنه أو قريبه في شباك الغلو قد لا يتصوّر حجم الكارثة، لكن من ذاق مرارة الفتنة يعرف أن التحذير ليس ترفًا، ولا تشددًا، ولا عداءً، بل هو واجب شرعي وضرورة واقعية، ورحمة بالشباب قبل أن تكون رحمة بالمجتمع.

خاتمة:

لا يستطيع عَاقِلٌ يعلم ما تمر به الأمة من واقع مرير وتكالب أعدائها عليها من كل حدب وصوب أن ينفي ذلك أو يدّعي بساطة الأمر وعدم خطورته، فَيَدْعُوَ الشباب للتجاهل أو الاهتمام بقضايا أخرى! ولكن صاحب العقل والحكمة والبصيرة يرى أن الفتن عواصف تحتاج لفهم وتصدٍّ بالعلم الشرعي والرؤية الثاقبة، ومن ثم فإن حماية الشباب من فتنة التكفير فَرِيضَةٌ، والسكوت عن خطاب الغلو جريمة تربوية ودعوية.

والله أمر بالعدل، ونهى عن الغلو، وأوجب العلم، وجعل درء المفاسد مُقَدَّمًا على جلب المصالح، وجعل الفتن تُدْفَعُ قبل أن تَسْتَعِرَ؛ وإلا فحديث النبي صلى الله عليه وسلم واضح جدًا في ذلك، حيث قال: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا ‌كَقِطَعِ ‌اللَّيْلِ ‌الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا) (متفق عليه).

نسأل الله أن يحفظ شباب الأمة، وأن يرزقهم العلم والبصيرة، وأن يكفيهم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.

ولنا أمل.