أثر العربية في نهضة الأمة (14)
كتبه/ ساري مراجع الصنقري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فينبغي لِأُمَّتِنا العربية أن تتعهد صحة لغتها، وتحافظ على عافيتها، وأن تكون غيورةً عليها، راغبةً في خدمتها، وأن يظل أبناؤها السُّور الذي يحميها، فلا تُفتح فيه ثغرةٌ ينفذ منها أعداؤها، الذين يبذلون جهودهم وأموالهم للقضاء على اللغة العربية.
قال المُؤرِّخ الأديب اللُّبناني الدكتور عمر فرُّوخ (1906م - 1987م) في (الستينيات!): "إنّ الحملةَ على اللغة العربية في عددٍ من الأقطار العربية شديدةٌ جدًّا، والسِّفارات الأجنبية تبذل الجُهد والمال في سبيل فتح ثغراتٍ في سياج اللغة العربية، تحت ستار التَّسهيل حينًا، وتحت ستار مسايرة العصر حينًا آخَر، ورأي السِّفارات الأجنبية -فيما يبدو- أن تفتيت اللغة العربية يقود إلى تفتيت الأُمَّة العربية، ليسهل النُّفُوذ إلى مَرافقها المختلفة" (انتهى).
ولا شكّ أنّ المُعلِّمين يقع على عاتقهم مسؤوليّةٌ كبيرةٌ في هذا الشَّأن، في وقتٍ تفتقد فيه أُمَّتُنا العربية -مع الأسف الشَّديد- إلى إعداد المُعلِّم، الذي هو أساس البناء، حيث إنّ العملية التَّعليمية تُبنى على مُعلِّمٍ ومُتعلِّمٍ.
وقد قدَّم لنا عالم النَّفْس واللغة الأستاذ إبراهيم اللبّان (1895م - 1977م) حلًّا خاصًّا في أمر تعليم اللغة العربية، إذ قال: (ويهمُّني أن أشير إلى حلٍّ خاصٍّ كرَجُلٍ اشتغل بالتَّعليم في مِصرَ وخارجِها، وفي الشَّرق وفي إنجلترا؛ ذلك أنّ اللُّغةَ عادةٌ، وقد أعجبني أحدُ العُلماءِ حيث ألَّف كتابًا قائمًا برأسه، يُثبِت أنّ اللُّغةَ عادةٌ لسانيّةٌ، هو الشَّيخ محمد عرفة، وعلماء النَّفْس يقولون إنّ العادةَ تتكون بالتَّكرار، لذلك يجب أن يُعادَ النَّظرُ في أمر تعليم اللغة العربية، فهذا التَّعليم إذا اتَّجه إلى تكوين العادات المثالية بكُلِّ عنايةٍ أمكن تذليل الكثير من الصُّعُوبات، فَلْنُدرِّب تلاميذَنا مرَّةً بعد أخرى على النُّطْق الصَّحيح، وقد فعلتُ ذلك مع التَّلاميذ في ليبيا حينما كنتُ أُدرِّس في جامعاتها، إذ حرصتُ على أن أُدرِّبَهم على النُّطْق بالعدد، وكانت النَّتيجةُ سارَّةً جدًّا، حيث استقامت ألسنتُهم، ونطقوا بالعدد بصُورةٍ تدعو إلى الرِّضا والارتياح) (انتهى).
وهذا الاقتراح من الأستاذ اللبّان يعالج مشكلةً حقيقيّةً تواجه أكثر النَّاس حتى المُثقَّفين، وهي مشكلة النُّطْق الصَّحيح للأعداد، وقد صدَق اللبّان لمّا قال أيضًا: (النُّطْق بالعدد مملوءٌ بالصُّعُوبات اللغوية، وأكثر النَّاس -حتى المُثقَّفين منهم- إذا قرأوا مقالةً أو جُملةً باللغة العربية الفصيحة، إذا ما وصلوا إلى العدد عدَلوا عن اللغة الفصحى إلى العاميّة لِيُعفوا أَنْفُسَهم من النُّطْق بالعدد) (انتهى).
فليتنا نجتهد في تيسير أسلوب التَّعليم، ونعي أنَّه يجب علينا أن نحافظ على اللغة العربية، كي نحافظ على وحدة أُمَّتِنا العربية ووجودها.
وإلى اللِّقاءِ في مقالٍ قريب، بإذن الله السَّميعِ المُجيب.