كتبه/ عبد العزيز عطية النجار
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمن أسباب تأخُر المُسلمين: التَخَبُّط الناتج عن الجَهل والعِلم الناقِص في الوقت الذي أصبح فيه إلصاق تُهمة الإرهاب للمسلمين؛ بخاصة أهل الامتثال للهدي الظاهري في هذه الغُربة للدين، وفي الوقت ذاته تُعتَبَر الأمة في وقتها الحالي جسدًا مفتوحًا تنتابُه موجات التَغريب حاملة معها أفكار التحرُّر والتَحريف والتمييع باسم التجديد والتنوير، وتَمكين الحَركات النَسوية وادعاء الحقوق للمُخالفين لِلفطرة التي فُطِرَ الناسُ عليها.
ولو أضفنا لذلك حَملات التَشييع والتَنصير في إفريقيا والبِدَع العقدية والبِدَع العملية في حواضر كثيرة من بلاد المسلمين والعرب؛ بالإضافة للخطر الراهن المُسمى بالدين الإبراهيمي العالمي والذي تم لأجله استئناس الصوفية -أصحاب الخُرافات والخُزعبلات وتصديرها للمشهد واعتبارها هي الإسلام الوَسَطي المُعتدل المُمَثِّل عن أهل القِبلة والمقبول عند المُعسكرات الشرقية والغربية-.
ولا زالت الأمة تعاني تبعات الإمبريالية العالمية والذي تشَكَّلَت في هذا الاحتلال للبلاد والحواضِر الإسلامية والذي سَلَخ المُسلمين عن هويَتِهِم السلفية الحقيقية.
ومن الأمور المُرَكَّبة: أن هذا الاحتلال جاء في حِقَب تاريخية لعُمر الأرض يَختَلِف عن أي حِقبة؛ لأنها كانت الأسرع تَطوُّرًا من ثورة زراعية لأخرى صناعية لثورة تكنولوجية معلوماتية.
كان بسبب العِلم الناقص الممزوج بالحِس الأدبي البلاغي غير المنضبط بالنَقل من القرآن الكريم والسُّنة أن تولَّد لدينا هذا الأنموذج الذي تصادَم مع الواقع بوصفه منهجًا موازيًا لمنهج أهل السُّنة وغير شمولي وخيالي كثيرًا بعيد عن الواقعية.
وكان المنتَج النهائي هذا التيار القُطبي الصِدامي الذي تحوَّل لمنهج حَرَكي وقَبِلتهُ جماهير من أهل القِبلَة وطاقات بشَرية أفرَغَت الوِسع في تعميمه ونَشرِه ظنُّوه أنهُ هو الكَنز المَفقود ولَم يعلموا أن باطِنُهُ فيهِ الرَّحمةُ وَظاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذابُ.
وحقًا كانت نتائجهُ عَذاب لو تخيلنا الأحداث في العِقدين قبل مَطلَع الألفية لوجدنا حوادث كانت كفيلة بتأخير الدعوة الإسلامية لأعوام مِثل العَشرية السوداء في الجزائر وأحداث مُشابهة لها إما بمُباشرة هذه التيارات الصِدامية أو اشتراكها فيها أو التَلفيق الذي ألصَق التُهَم بهذه التيارات ومن ثَم أساءت لجموع أهل السُّنة.
ولا زال التحدي الأعظم هو: الجرأة على الفتوى في أوساط من يَنتَسِبون للتيارات القُطبية والتكفيرية، والذين تُفتَح لهُم القنوات ويتم استقطابهُم ليكونوا مَعاول هَدم في أيدي جهات خارجية، وأمور النوازل التي تَمَس كامِل الأمة لا يتكلم فيها أحدٌ برأيه مهما كانت حصيلتهُ العلمية وكذلك لا بد من درايته بالواقع الذي يُفتي من خلاله؛ قال الإمام أحمد بن حنبل الشيباني: "لن يَنصُر هذا الدين إلا من حواهُ من جميع جوانبه"، ولن يكون ذلك إلا للعُلماء الربانيين المُجَدِّدين من الأمة، ورُتَبَتُهُم تَصِل إلى الاجتهاد وشهادة أقرانهم لهُم أصلًا تُزَكِّيهِم وتؤهلهُم للصدارة وللاجتهاد وأخذ صَدر المَجلِس.
قال أبو الحسن الأزدي: "إن أحدهم ليُفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر".
وقال الأمير شكيب أرسلان: "ومن أعظم أسباب تأخُر المسلمين: العِلم الناقص، والذي هو أشد خطرًا من الجَهل البسيط؛ لأن الجاهل إذا قَيَّضَ اللهُ له مُرشدًا عالمًا أطاعه ولم يتفلسف عليه، فأما صاحب العلم الناقص فهو لا يدري، ولا يقتنع بأنه لا يدري، وكما قيل: ابتلاؤكم بمجنون خير من ابتلائكم بنصف مجنون، وأقول: ابتلاؤكم بجاهل خير من ابتلائكم بشبه عالم".
وللحديث بقية -إن شاء الله-.