نصائح وضوابط إصلاحية (45)
كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد تحدثنا في المقال السابق عن أهمية التعرف على إمكانات الأفراد الموجودين فعليًّا في الكيان، مع حُسن توظيف طاقتهم وإمكاناتهم -بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب-، واستغلال كل الإمكانات المتاحة بدون تَسرع أو مجاملة، من أعظم أسباب شمولية التأثير والنجاح والقدرة على سدِّ الثغرات داخل الكيان.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو القدوة الكبرى لنا جميعًا، كان يعرف إمكانات أصحابه جيدًا، ويتحرى اختيار قياداته وسفرائه وعماله كلٌ فيما يجيد؛ فهذا مصعب -رضي الله عنه- على حداثة سنِّه يفتح المدينة بالقرآن والدعوة إلى الله، وهذا أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- على صغره يقود الجيش، وهذا طلق بن علي اليمامي -رضي الله عنه- كان يحسن عجن الطين، يُوضع في مهمة بناء المسجد.
ولعلنا نتمعن أيضًا في رفض النبي -صلى الله عليه وسلم- لتولية أبي ذر -رضي الله عنه- في ولاية عامة، مع فضله وبذله، وحبه -صلى الله عليه وسلم- له؛ كما جاء في صحيح مسلم عن أبي ذرٍ -رضي الله عنه-، قال: قُلْتُ: يَا رسول الله أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) (رواه مسلم).
والخلاصة في هذه المسألة: أن التوازن بين البناء للأعضاء والانتشار في المجتمع، مع معرفة الإمكانات المتاحة عند الأفراد، وحسن توظيف الكوادر والطاقات، والاعتناء بالتخصصات وحُسن استخدامها داخل الكيان، يسهم -بلا شك- في تميُّز الكيان وقوة تأثيره، وشمولية تواجده وانتشاره.
والعكس بالعكس: فالتقوقع على بناء الأفراد دون العمل على الانتشار أو الانسياق في المسارات الانتشارية دون الاهتمام ببناء الأفراد الحاملين للمنهج أو إهمال الكفاءات وأصحاب الطاقات، والمجاملة في استخدام الأفراد في سدِّ الثغرات -بوضع شخص في غير مكانه المناسب-، يؤدي إلى حدوث كثيرٍ من الفجوات، وفقد كثيرٍ من المساحات، والتسبب في وقوع الكثير من الأخطاء والمشاكل من الأفراد؛ إما بسبب كثرة المهام، أو عدم الكفاءة في الأداء، أو عدم الانضباط المنهجي.
وهذا مما يتسبب -بعد ذلك- في نفور شرائح كبيرة من المجتمع عن الكيان الإصلاحي، أو يؤدي إلى ذوبان الكيان واضمحلاله، أو انحرافه عن أهدافه الإصلاحية.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.