الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 09 أبريل 2024 - 30 رمضان 1445هـ

تهنئة "الدعوة السلفية بمصر" للأمة الإسلامية بحلول عيد الفطر المبارك

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

تهنئ الدعوة السلفية بمصر الشعب المصري الكريم وعموم المسلمين في كلِّ بقاع الأرض بحلول عيد الفطر المبارك، تقبل الله منا ومنكم صالح العمل، وأعاده علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات.

فالحمد لله أن بلغنا رمضان، والحمد لله أن أعاننا على طاعته في ذلك الشهر المبارك.

تأتي الأعياد بعد الطاعات وبعد إقبال الأمة على ربها؛ فعيد الفطر يأتي بعد إقبال الأمة على ربها في رمضان بين صائم وقائم، وألسنة رطبة بذكر الله، وأيدٍ لا تدري شمالها ما أنفقت يمينها.

وعيد الأضحى يأتي بعد موسم الحج، وبعد أن هوت تلك الأفئدة لبيت الله الحرام مشتاقة متلهفة لتلك البقاع المقدسة تجأر بالتلبية، وتسوق الهدي بعد أن جاءت من كلِّ فج عميق.

وكأنها رسالة: أن الفرح والسعادة مرتبط بطاعة الأمة لربها، كما أن سعادة الآخرة مرتبطة بالاستقامة على الطاعة.

الاستقامة التي هي من ثمرات الطاعة في شهر رمضان، فكما تعلمنا المحافظة على الطاعة في شهر رمضان، وتعلمنا مقاومة شهوات النفس فحري بكل حريص على سعادة الدنيا والآخرة ألا يفقد ما حصَّله من طاعات في رمضان، فأحب الأعمال إلى الله أدومها، وكان -صلى الله عليه وسلم- عمله ديمة.

يأتي العيد وفي خاصرة أمتنا جرح ينزف في فلسطين، فقد اقترفت اليد الصهيونية الآثمة كأسلافها، الخائنة كعادتها، من المذابح والتقتيل ما يندى له جبين البشرية، وكانوا قد عمدوا في الآونة الأخيرة إلى مهاجمة المسجد الأقصى بآلاف من قطعان الغاصبين بوتيرة متسارعة وكأنهم يتهيؤون لبناء هيكلهم المزعوم، والفلسطينيون يقاومون بين الحين والآخر بالحجارة أو الرشقات الصاروخية أو الضربات الخاطفة، وكان منها ما قامت به الفصائل الفلسطينية في يوم السابع من أكتوبر، ليشن بعدها الكيان الصهيوني هجمة على غزة تفوق الهجمات النازية في عنصريتها، والتترية في وحشيتها؛ فلم تترك شيئًا قائمًا إلا قصفته ولم تفرِّق بين مسجد أو مشفى، أو بيت آمن، ولم تميز بين طفل ولا امرأة، ولا شيخ كبير؛ الكل مستهدف، والكل مباح!

كل هذا والعالم الغربي مدعي التحضر والذي يقيم الدنيا ويقهر الدول من أجل حقوق الشواذ والمنحرفين لم يطرف له جفن، بل أمد اليهود بأدوات القتل والإبادة، ولكن رب ضارة نافعة، ولعل في المحن رحمات؛ فقد أحيت تلك الأحداث القضية الفلسطينية في نفوس المسلمين وأيقظت معاني الولاء والبراء في نفوسهم، ورأوا بأعينهم أنه متى تسلط أعداء الدين على المسلمين فلن يرقبوا في مسلم إلًّا ولا ذمة، ورأوا كيف انتفضت دول الغرب تمد العدو الغاشم بأطنان من الأسلحة التي قتلت النساء والأطفال دون حياء، وكيف يوجهون اللوم للضحية دون خجل!

وذاق المسلمون طعم الولاء حين هبوا لنصرة إخوانهم بما يستطيعون من ألسنة تلهج بالدعاء، ومساعدات تدفقت من شتى الأقطار "وعلى رأسها مصر"، ومتابعة للأحداث عن كثب وتألم لمصاب إخوانهم، فإنما فلسطين جزء عظيم الشأن من جسد المسلمين.

وأخرست الأحداث تلك التمتمات بصفقة القرن، وفضحت أهداف الدين الإبراهيمي الجديد، وأصابت المهرولين نحو التطبيع بالحيرة والاضطراب، ولكن ما زال هناك الكثير المنتظر من المسلمين؛ دولًا وشعوبًا، نصرة للشعب الفلسطيني المجاهد والمقاوم.

فما زال أمام الدول الإسلامية الكثير تستطيعه لنصرة المستضعفين في فلسطين، ما زال أمامهم أن يأخذوا بأسباب القوة لردع ذلك العدو الجبان، وعلى رأس أسباب القوة هذه: التزام الشرع الحنيف ونصرة الله لينصرنا الله، (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7)، والسعي نحو الوحدة والاجتماع: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103)، فقد تتحمل إسرائيل صفعة من دولة واحدة أو دولتين، ولكنها لا تتحمل صفعات متتالية من أكثر من خمسين دولة مسلمة، فتستطيع الدول المسلمة استخدام كافة الوسائل المتاحة لردع ذلك العدوان النازي الذي استخدمت فيه إسرائيل ترسانتها العسكرية، وترسانة الدول الغربية المشاركة لها في العدوان.

وما زال أمام الشعوب الكثير لتقدمه للمستضعفين في فلسطين؛ فأمام الشعوب الدعاء فهو سلاح المؤمن، وأمامهم تقديم المساعدات لإغاثة الملهوفين والمحاصرين، وأمامهم التوبة والعودة إلى الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11).

وبالصلاة تتغير موازين العالم وتُعطى العطايا، وتهزم الجيوش وتتداول الأيام، وتزول الدول، ويؤخذ بنواصي الخلق إلى ما يريد الرب الجليل الجميل، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فلنفزع إلى الصلاة عند المصائب والمحن، فهي قرة العين الحقيقية في هذه الدنيا، ووعاء العطايا والهبات الإلهية على القلب بأنواع النعيم الذي لا نظير له في أي لذة أخرى.

وأمام المقاومة الفلسطينية الكثير أيضًا:

أمامهم: التزام منهج أهل السنة والبُعد عمَّن يدعي أنه محور المقاومة (إيران وأذرعها)، والذي هو في الحقيقة خنجر في خاصرة الأمة الإسلامية، وما تزال عواصمنا العربية تئن من آثار تلك الطعنات.

أمام المقاومة الفلسطينية: أن تزن المصالح والمفاسد بميزان دقيق يعظِّم من شأن دماء المسلمين ويعلم أنها معظمة غالية، وأن يكون ذلك الميزان بيد أهل العلم فيهم ممَّن يفهمون الشرع ويستوعبون الواقع.

أمام المقاومة الفلسطينية: أن يتحدوا، وأن يتنبهوا لتلك المكائد التي تدبر للوقيعة بين أبناء الشعب الفلسطيني ليذيق بعضهم بأس بعض، فلا تشمتوا بنا الأعداء.

وأمام المقاومة الفلسطينية: أن تجمع حولها قلوب الداعمين؛ دولًا وشعوبًا بالثناء على كلِّ مَن يقدم الدعم ومطالبته بالمزيد، وأن يسكتوا ذلك اللسان الذي يتهم الجميع بالخيانة والعمالة، بل وينفي أي دور إيجابي تقوم به الدول والشعوب العربية، ولا يثني إلا على إيران وأذرعها!

نفرح بالعيد ولا ننسى آلامنا بفلسطين، وبين أيدينا بشارة رسول -صلى الله عليه وسلم- لنا بالنصر على اليهود: (‌لَا ‌تَقُومُ ‌السَّاعَةُ ‌حَتَّى ‌يُقَاتِلَ ‌الْمُسْلِمُونَ ‌الْيَهُودَ ‌فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ) (رواه مسلم).

ومن أجَلِّ الحكم والفوائد من الصيام أيضًا: تحصيل فضيلة التقوى؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ ‌عَلَى ‌الَّذِينَ ‌مِنْ ‌قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183)، والتقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌اتَّقُوا ‌النَّارَ، ‌وَلَوْ ‌بِشِقِّ ‌تَمْرَةٍ) (متفق عليه)، والمسلم يسير نحو ربه بجناحي الخوف والرجاء: "نرجو رحمتك ونخشى عذابك"، وقال -تعالى-: (‌وَيَدْعُونَنَا ‌رَغَبًا ‌وَرَهَبًا) (الأنبياء: 90)، والنار دركات أعدها الله للعصاة من الموحدين وللكافرين المعاندين، يتطهر فيها من استحق العذاب من عصاة الموحدين ويخلد فيها الكافرون أبدًا؛ وذلك لأن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وقد بيَّن الله ذلك في غير ما موضع من كتابه الكريم، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ ‌كَذَّبُوا ‌بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (الأعراف: 36)، (‌وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) (الزخرف: 77)، وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ‌لَا ‌يُقْضَى ‌عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) (فاطر: 36).

وفي صحيح السنة عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌يُؤْتَى ‌بِالْمَوْتِ ‌كَهَيْئَةِ ‌كَبْشٍ ‌أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ. ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ. ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ. ثُمَّ قَرَأَ: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ)، وَهَؤُلَاءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا (وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (متفق عليه).

فالجنة باقية بنعيمها بأهلها، والنار باقية بعذابها بمن كتب عليه الخلود من أهلها، وأما مَن يدعي "أن الله وارد يلغي النار"؛ فقد خالف النصوص الواضحة من الكتاب والسنة، وعرَّض المجتمع لخطر عظيم؛ فهو يوجِّه رسالة طمأنة للفسدة والمجرمين أن جرائمكم ستمر بغير عقاب، ويوجه رسالة للطغاة والجبابرة وقتلة الأطفال والنساء أنكم سوف تتساوون مع ضحاياكم من الأبرياء فلا تقلقوا، فتخيل أن يلغي الله النار فيتساوى مجرمو اليهود مع مَن أبادوهم في غزة من نساء وأطفال!

وهي رسالة للفسدة والمرتشين وأكلة المال العام: أنه لا ضير عليكم فلن تجدوا في الآخرة عذابًا، فكل ما عليكم أن تحتالوا على قوانين الدنيا، أما الآخرة فلا عقاب فيها!

وهي رسالة للمظلوم بأنه إن فاته حقه في الدنيا فلن يدركه في الآخرة، ولك أن تتخيل أثر هذه الرسالة على المجتمع، وكيف ستدفع الجميع لاستيفاء الحقوق بأي طريقة مشروعة أو غير مشروعة؛ لأنه حسب ما يدعي: مَن فاته حقه في الدنيا فلن يدركه في الآخرة، فقد أمن المجرم المعتدي من العقاب!

ومن التقوى أيضًا: أن يتقي المرء فتنة النساء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَاتَّقُوا ‌الدُّنْيَا، ‌وَاتَّقُوا ‌النِّسَاءَ) (رواه مسلم)، وحذر الله من الاقتراب من الزنا فقال: (‌وَلَا ‌تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) (الإسراء: 32)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ ‌الْفَرْجُ ‌وَيُكَذِّبُهُ) (متفق عليه).

فللزنا مقدمات وأسباب حذَّر الله -سبحانه- منها لنتجنبها، ولا نسلك تلك الطريق فننزلق نحو الفواحش والموبقات، وأما من سوغ كلام الحب والهيام بين الشباب والشابات تحت ذريعة: "علم الأب" بتلك العلاقة؛ فإنه باب شر لا يقبله الشرع، ولا عُرف المجتمع المأخوذ من الشرع، ولا يقبل رجل سَوي غيور على أهله أن يأتي شاب يستأذنه في مغازلة ابنته، بل ذلك من الدياثة التي حذر منها أفضل الخلق -صلى الله عليه وسلم-، والمسلم الصالح إنما يطرق باب البيوت المسلمة العفيفة يريد الخِطْبة والزواج، لا ليستأذن في المغازلة والعلاقات الآثمة، وحتى حين يخطب المسلم مسلمة، فإن الخطبة تبقيه غريبًا عنها حتى يتم عقده عليها بميثاق غليظ، وبموافقة ولي منتبه حريص.

والعفة إنما هي في غص البصر، وحفظ الفرج، وترك الخلوة والاختلاط المحرم، ويزاد للفتيات على ذلك ارتداء الزي الشرعي للمرأة المسلمة.

والاختلاط الماجن والرحلات المشتركة بين الشباب والشابات للعب واللهو إنما هي من مسالك الشيطان وخطواته المنهي عن اتباعها، ولا يصلحها أن النية سليمة، فإن النية لا تصلح العمل الفاسد.

ولنا في المجتمعات الغربية العبرة والعظة، فالاختلاط المحرم طريق لفتح باب الشهوات على مصراعيه، ثم الانزلاق نحو الحرية الجنسية ثم الشذوذ وعزوف الشباب عن الزواج، ثم فساد الأسر، بل الرغبة في عدم تكوين الأسر، ثم النظر للأسرة على أنها عبء ثقيل، ثم تحلل نسيج المجتمع حتى يصير كلأ مباحًا لكل طامع ومفسد ومتربص.

ومن معاني التقوى: أن يتقي المسلم الشبهات؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ ‌لِدِينِهِ ‌وَعِرْضِهِ) (متفق عليه)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ) (آل عمران: 19)، فالإسلام هو دين كل الأنبياء. وقال -تعالى-: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة: 136).

قال ابن كثير في تفسيره: "هذا إخبار منه -تعالى- بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين، حتى ختموا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم-"، فجميع الأنبياء دينهم واحد وهو الإسلام، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌وَالْأَنْبِيَاءُ ‌إِخْوَةٌ ‌لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) (متفق عليه).

وروى مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أحد من هذه الأمة لا يَهُودِيٌّ، وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كانَ مِنْ أَصْحَابِ النار).

فلا مداهنة ولا مجاملة فيما يتعلق بالعقائد، ولا يقوم المجتمع على أساس متين حينما يخرج البعض فينفي الخلاف بين الأديان، ويريد أن يدخل الجميع الجنة، وهذا خطر عظيم وإلقاء لشبابنا بين أنياب التطرف، فالشاب حين يسمع خطابًا محرفًا للدين ولَيًّا لأعناق النصوص بالزعم بأن الجميع سيدخل الجنة، ثم يقرأ خلاف ذلك في الكتاب والسنة يفقد الثقة فيمن حرّف النصوص، وإن لم يخرج أهل العلم الأثبات لبيان الحق ربما فقد الثقة في مجتمعه.

وتكون الفتنة أعظم حين يستمع الشاب في هذا العالم المفتوح لخطاب يقول له: إنك تعيش في مجتمع جاهلي بعيد عن الدين، ويعادي الدين ويحرف الدين، ويستشهد لذلك بتحريف تلك النصوص، ثم يدفع بالشاب للعزلة عن مجتمعه تمهيدًا ليجعله يصطدم مع مجتمعه ويتحول لأداة تكفير وقتل.

والحل هو الحديث دون خجل عن ذلك الخلاف العقدي بين المسلمين وغيرهم، فيتعلم المسلم: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ)، ويتعلم (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، ويتعلم: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) (الممتحنة: 8)، ويتعلم أن باب المعاملة باب واسع لإظهار سماحة الدين، فينشأ الشاب على حرمة دماء وأموال وأعراض من اختلفنا معهم في العقيدة وفق العقد الاجتماعي الذي تقره الشريعة أيضًا، وحين ينشأ الشاب على الفهم الصلب لا يخترقه فكر التطرف والإرهاب، وتبنى علاقات المجتمع بين كل مكوناته على هذه القاعدة الصلبة.

وأخيرًا: فإن العيد فرصة لصلة الأرحام، وزيارة الأقارب، وإصلاح ما فسد من علاقات ومسامحة المسيء، والتوسعة المباحة على الأهل والأولاد بالمتاح، وإدخال السرور على الأهل بالكلام الحسن والوجه المبتسم، والدعوات الطيبات.

تقبل الله منا ومنكم صالح العمل، وأعاده علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات.