كتبه/ سامح بسيوني
فما زلنا مع أمثلة للمفاهيم والقوانين التي يحاول أعداء الأمة تمريرها في هذه الأوقات تحت غطاءات متنوعة؛ لتقويض نظام الأسرة في الإسلام، والقضاء عليه وهدمه، وكان من ذلك: تقييد سن الزواج استنادًا على قاعدة تقوم على حق الحاكم في تقييد المباح للمصلحة العامة -التي تكلمنا عنها في المقال السابق-.
وبقي أن نذكر أن مَن قال مِن العلماء بحقِّ ولي الأمر في تقييد المباح جعل لذلك ضوابط، من أهمها:
1- موافقة الشرع لتقييد ذلك المباح، فلا يجوز في تقييد المباح انقلابه حرامًا، ومنع جنسه وأصله، ومثال ذلك: إذا قلنا بجواز تنظيم النسل في بعض الحالات الخاصة؛ فلا يجوز أن يكون عامًّا، ولا يجوز أن يُمنع الإنجاب بالكلية.
2- لا بد من موافقة مقاصد الشريعة، والصلة بين تقييد المباح وبين مقاصد الشريعة صلة قوية جدًّا؛ فتقييد المباح يقصد به جريان الأحكام على وَفْق مقاصد الشريعة لا عكسها، ومنع الخلل والضرر الحاصل من الحكم إن قيل بإباحته على الإطلاق، فالشريعة وضعت لمصالح العباد، كما قال الإمام الشاطبي في (الموافقات): "استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد لا ينازع فيه الرازي ولا غيره، فإن الله -تعالى- يقول في بعثة الرسل وهو الأصل: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: 165)، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).
3- أن يكون تقييد المباح باجتهادٍ من العلماء المجتهدين الموثوقين؛ فلا يكون التقييد لمجرد كون المطلوب تقييده وجهة نظر، ثم يُبحث لها عن قاعدة تجيزها! بل لابد أن يكون الحاكم مستوفيًا لشروط العالم المجتهد؛ فمعروف أن حال مَن تولَّى شيئًا من أمور المسلمين متفاوت، فهو واحد من أربع:
أ- حاكم عالم عادل يعلم السنة من البدعة، والإيمان من الكفر، وهو عدل في حكمه، وهذا تجب طاعته في كل ما أمر به إلا ما علم أنه معصية.
ب- حاكم ليس بعالم، أو لم يكن عادلًا، أو لم يكن عالمًا ولا عادلًا، ولكن كان ما يقيمه من الدِّين أكثر مما يضيعه؛ فهذا تكون طاعته فيما عُلِم أنه طاعة، ومن المعروف.
ج- حاكم كان ما يضيعه من الدِّين أكثر مما يقيمه؛ فهذا النوع (يعان) فيما فيه مصالح المسلمين والخير وتطبيق الشرع، ولا يعاون على ما فيه الشر.
د- حاكم يحارب الدين؛ فهذا يُراعى معه عدم الإضرار بمصالح المسلمين، ومراعاة القدرة والعجز، والمصلحة والمفسدة، والنظر للمآلات.
والمقصود في هذا الشرط أن يكون تقييد المباح باجتهادٍ من العلماء المجتهدين الموثوقين؛ فكما لا يجوز للمرء أن يفتي نفسه بشيء من هذا القبيل، بل يلجأ إلى العلماء المجتهدين، فكذلك تقييد الحاكم للمباح بصفة عامة يجب أن يكون برأي أهله؛ أعني برجوعه للفقهاء المجتهدين في محله.
4- أن يكون تقييد المباح في أفراد المباح لا جنسه؛ فلا يمنع جنس المباح، فإن قيَّدنا شيئًا، فهذا التقييد يرجع إلى بعض أفراد الجنس، ولكن لا يجوز المنع بالكلية.
وللحديث بقية -إن شاء الله- في ذكر أمثلة على ذلك.