اتَّقِ شرَّ مَن أحسنتَ إليه!
كتبه/ عبد العزيز خير الدين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهذه العبارة وإن بدت قاسية؛ فإن فيها من الصحة الشيء الكثير، فلن تجد من اللئيم وقليل المروءة بعد الإحسان إلا الإساءة والشر، وسوء المعاملة إلى المحسن إليه، ولو قدر عليك يومًا لانتقم منك شر انتقام.
قال العجلوني: "اتقِ شر مَن أحسنت إليه، ليست على إطلاقها، بل هي محمولة على اللئام دون الكرام" (كشف الخفاء). وعن عمر رضي الله عنه قال: "ما وجدت لئيمًا قط إلا قليل المروءة!".
وقال الله عز وجل: (وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) (التوبة: 74)، ذكر الطبري في سبب نزولها: أن كبير المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول، كانت عليه دية فأعطاها له الرسول، فلما اغتنى بطر النعمة ولم يؤمن إيمانًا خالصًا بالرسول، وقال عقب ذلك في حادثة الرجلين اللذين اقتتلا، أحدهما من حلفاء الأنصار: "انصروا أخاكم، فوالله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمِّن كلبك يأكلك!"، وقال أيضًا: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"؛ فقدَّم الشر رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم أحسن إليه.
وكما في القصة المعروفة بأم عامر، أنه خرج قوم من العرب يطلبون الصيد، وبينما هم يجدُّون في البحث لم يجدوا من صيد إلا أنثى ضبع، وكان يطلق على أنثى الضبع لقب أم عامر، فحاولوا الإمساك بها فهربت منهم، وبينما هم يطاردونها من مكان إلى مكان حتى لجأت إلى خيمة أعرابي، وكان ذلك في يوم حر شديد، فرأى الأعرابي أن أم عامر قد استجارت به مستنجدة، فأواها وأطعمها، ورد القوم الذين كانوا يطاردونها وأبقاها عنده حتى استعادت عافيتها، وفي إحدى الليالي وهو نائم دخلت عليه فقتلته ثم هربت! فجاء ابن عمه ليعوده فوجده مقتولًا فبحث عنها فوجدها وقتلها، وأنشد شعرًا قال فيه:
وَمَنْ يَفْعَلْ الْمَعْرُوفَ مَعَ غَيْرِ أَهْلِهِ | | يُلَاقِ الَّذِي لَاقَى مُجِيرُ أُمِّ عَامِرِ |
أَدَامَ لَهَا حِينَ اسْتَجَارَتْ بِقُرْبِهِ | | قَرَاهَا مِنْ أَلْبَانِ اللِّقَاحِ الْغَزَائِرِ |
وَأَشْبَعَهَا حَتَّى إذَا مَا تَمَلَّأَتْ | | فَرَتْهُ بِأَنْيَابٍ لَهَا وَأَظَافِرِ |
فَقِيلَ لِذِي الْمَعْرُوفِ هَذَا جَزَاءُ مَنْ | | غَدَا يَصْنَعُ الْمَعْرُوفَ مَعَ غَيْرِ شَاكِرِ |
وفي هذه المقولة يقول أحد الدُّعَاة -رحمه الله-: "اتَّقِ شَرَّ مَن أحسنت إليه؛ لماذا؟ لأنه حين يراك، يتذكر ما لك مِن يد عليه، وما لك من فضل فيخزى ويشعر بذلة؛ لأن وجودك يدك كبريائه".
وأخيرًا: قم بفعل المعروف في أهله وفي غير أهله؛ فإن لم تجد الجزاء في الدنيا ستجده يوم تنصب الموازين، وقابل أخي هذا الإحسان بالإحسان حتى تتصف بصفات الكرام لا صفات اللئام، وأنت الحَكَم على نفسك.