الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 28 نوفمبر 2022 - 4 جمادى الأولى 1444هـ

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (93) دين إبراهيم وهو دين جميع الأنبياء واحد وهو قائم على الوحي المُنَزَّل (13)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقال الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا . وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ‌وَكَلَّمَ ‌اللَّهُ ‌مُوسَى تَكْلِيمًا . رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء: 163-165).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهذا مع أني دائمًا ومَن جالسني يعلم ذلك أني من أعظم الناس نهيًا عن أن يُنسَب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية؛ إلا إذا عُلِم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي مَن خالفها كان كافرًا تارة، وفاسقًا أخرى وعاصيًا أخرى، وأني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية" (مجموع الفتاوى).

وقال أيضًا: "لكن ليس كلُّ مَن تكلَّم بالكفر يكفر حتى تقوم عليه الحجة المثبتة لكفره، فإذا قامت عليه الحجة كفر حينئذٍ" (مجموع الفتاوى).

وقال أيضًا: "وليس لأحدٍ أن يكفِّر أحدًا من المسلمين، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتُبَيَّن له المحجة، ومَن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة" (مجموع الفتاوى).

وقال أيضًا: "وإذا عرف هذا؛ فتفكير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار لا يجوز الإقدام عليه؛ إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يثبت بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر" (مجموع الفتاوى).

وقال أيضًا: "فإن هذا فيه تعطيل صفات الخالق وجحد كماله، ما هو مِن أعظم الإلحاد وهو قول الجهمية الذين كفَّرهم السلف والأئمة تكفيرًا مطلقًا، وإن كان الواحد المعين لا يكفَّر إلا بعد قيام الحجة التي يكفر تاركها" (مجموع الفتاوى).

وقال أيضًا: "ومَن قال: إن لقول هؤلاء سرًّا خفيًّا وباطنَ حقٍّ، وأنه من الحقائق التي لا يطلع عليها إلا خواص خواص الخلق؛ فهو أحد رجلين: إما أن يكون من كبار الزنادقة أهل الإلحاد والمحال، وإما أن يكون من كبار أهل الجهل والضلال؛ فالزنديق يجب قتله، والجاهل يُعَرَّف حقيقة الأمر، فإن أصر على هذا الاعتقاد الباطل بعد قيام الحجة عليه وَجَب قتله" (مجموع الفتاوى).

وقال أيضًا: "ونحن نعلم بالضرورة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحدًا من الأحياء والأموات، ولا الأنبياء، ولا الصالحين، ولا غيرهم؛ لا بلفظ الاستغاثة، ولا بغيرها، ولا بلفظ الاستعانة، ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا إلى ميت، ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن ذلك كله، وأنه من الشرك الذي حرَّمه الله ورسوله، لكن لغلبة الجهل، وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين، لم يمكن تكفيرهم بذلك، حتى يبيَّن لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم" (مجموع الفتاوى).

ومما ذكر رحمه الله تعالى في معرض جوابه عن السؤال التالي: ما تقول السادة العلماء أئمة الدِّين رضي الله عنهم أجمعين، في قوم يعظِّمون المشايخ، بكون أنهم يستغيثون بهم في الشدائد، ويتضرعون إليهم، ويزورون قبورهم ويقبلونها ويتبركون بترابها، ويوقدون المصابيح طوال الليل، ويتخذون لها مواسم يقدِمون عليها من البعد يسمونها ليلة المحيا، فيجعلونها كالعيد عندهم، وينذرون لها النذور ويصلون عندها.

قوله: "الحمد لله رب العالمين، مَن استغاث بميت أو غائب من البشر بحيث يدعوه في الشدائد والكربات، ويطلب منه قضاء الحوائج، فيقول: يا سيدي الشيخ فلان! أنا في حسبك وجوارك؟ أو يقول عند هجوم العدو عليه: يا سيدي فلان، يَستوحِيْه ويستغيث به؟ أو يقول ذلك عند مرضه وفقره، وغير ذلك من حاجاته؛ فإن هذا ضال جاهل مشرك عاصٍ لله باتفاق المسلمين؛ فإنهم متفقون على أن الميت لا يُدعَى ولا يطلب منه شيء؛ سواء كان نبيًّا، أو شيخًا، أو غير ذلك... وهذا الشرك إذا قامت على الإنسان الحجة فيه ولم ينتهِ، وجب قتله كقتل أمثاله من المشركين، ولم يدفن في مقابر المسلمين، ولم يُصلَّ عليه، وأما إن كان جاهلًا لم يبلغه العلم، ولم يعرف حقيقة الشرك الذي قاتل عليه النبي صلى الله عليه وسلم المشركين، فإنه لا يحكم بكفره، ولا سيما وقد كثر هذا الشرك في المنتسبين إلى الإسلام، ومَن اعتقد مثل هذا قربة وطاعة؛ فإنه ضال باتفاق المسلمين، وهو بعد قيام الحجة كافر.

والواجب على المسلمين عمومًا، وعلى ولاة الأمور خصوصًا: النهي عن هذه الأمور، والزجر عنها بكلِّ طريق، وعقوبة مَن لم ينتهِ عن ذلك العقوبة الشرعية. والله أعلم" (جامع المسائل).

وقال رحمه الله تعالى: "ومنهم مَن يطلب مِن الميت ما يطلب مِن الله فيقول: اغفر لي، وارزقني، وانصرني، ونحو ذلك كما يقول المصلي في صلاته لله تعالى، إلى أمثال هذه الأمور التي لا يشك مَن عرف دين الإسلام أنها مخالفة لدين المرسلين أجمعين، فإنه مِن الشرك الذي حرَّمه الله ورسوله، بل من الشرك الذي قاتل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم المشركين، وأن أصحابها إن كانوا يعذرون بالجهل، وأن الحجة لم تقم عليهم، كما يعذر مَن لم يبعث إليه رسول، كما قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى ‌نَبْعَثَ ‌رَسُولًا) (الإسراء: 15).

وقال: "كذلك مَن دعا غير الله وحج إلى غير الله؛ هو أيضًا مشرك، والذي فعله كفر، لكن قد لا يكون عالمًا بأن هذا شرك محرم، كما أن كثيرًا من الناس دخلوا في الإسلام من التتار وغيرهم، وعندهم أصنام لهم صغار من لبد وغيره، وهم يتقرَّبون إليها ويعظمونها، ولا يعلمون أن ذلك محرم في دين الإسلام، ويتقربون إلى النار أيضًا، ولا يعلمون أن ذلك محرَّم، فكثير مِن أنواع الشرك قد يخفى على بعض مَن دخل في الإسلام ولا يعلم أنه شرك، فهذا ضال وعمله الذي أشرك فيه باطل، لكن لا يستحق العقوبة حتى تقوم عليه الحجة، قال تعالى: (فَلَا ‌تَجْعَلُوا ‌لِلَّهِ ‌أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 22)".

وقال رحمه الله: "والتحقيق في هذا: أن القول قد يكون كفرًا كمقالات الجهمية الذين قالوا: إن الله لا يتكلم، ولا يُرى في الآخرة! ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر، فيُطلَق القول بتكفير القائل كما قال السلف: مَن قال: القرآن مخلوق فهو كافر، ومَن قال: إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر، ولا يُكَفَّر الشخص المعيَّن حتى تقوم عليه الحجة" (مجموع الفتاوى).

وللحديث بقية إن شاء الله.