كتبه/ إيهاب الشريف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهل تسوي الشريعة بين الرجل والمرأة؟
بداية نقول: التسوية تعني المماثلة والمعادلة بين الشيئين، وهذه المساواة قد تجمع بين المتساويين وتفرِّق بين المتفرقين؛ فتكون مساواة عادلة، وتكون مساواة جائرة ظالمة إذا ما جمعت بين المتساويين والمتفرقين.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله: "دين الإسلام دين العدل، وهو الجمع بين المتساويين، والتفريق بين المتفرقين… ولم يأتِ حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبدًا؛ إنما يأمر بالعدل" (شرح الواسطية).
والعدل يشمل التسوية والتفريق؛ أما المساواة فهي تشمل التسوية فقط، فمِن العدل: التفريق بين الرجل والمرأة في الميراث، والشهادة، وغير ذلك مما جاء به الدليل، فبالعدل يأخذ كلُّ مكلَّف حقه بما يتناسب معه، والدور الذي خلقه الله له.
فالعدل إذًا يشمل المساواة ويضبطها، فكما أن المرأة على النصف من الرجل في الميراث والشهادة؛ فلها حالات ترث فيها أكثر من الرجل -كما سيأتي إن شاء الله-، وكلا الحالتين عدل.
وفي ضوء ما تقدَّم نفهم: أن اللهَ خَلَق الزوجين الذكر والأنثى ليتكاملا ويتوافقا، لا ليتقابلا ويتنافرا، وبذا تنتظم نواميس الكون وتستقيم حركة الحياة؛ ليس في الجنس البشري فحسب، بل في سائر المخلوقات "ومن كل شيءٍ خلقنا زوجين"، فكل زوج مفتقر إلى زوجه محتاج إليه.
وقد قدَّر الله وقَضَى أنه "ليس الذكر كالأنثى"، ونجاح الجنس البشري مرهون بفهمه لهذه الحقيقة، وليس الثورة عليها! وهو أمر جاء به الشرع في نواحٍ عِدَّة، كما أثبتته أيضًا الحقائق العلمية، وهذا الاختلاف ليس قاصرًا على الشكل الظاهري فقط، بل يشمل التكوين الداخلي كذلك، ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة:
ففي مرحلة النطفة: اكتشف العلماء أن الحيوانات المنوية المؤنثة تحمل الكروموسومين (XX)، وأنها أثقل وزنًا وأبطأ حركة مثَلَها مثل الدبابات الثقيلة، من الحيوانات المنوية المذكرة والتي تحمل الكروموسومين (Xy) التي هي أخف وزنًا وأسرع حركة، ومثلها مثل المصفحات الخفيفة، كما أثبت العِلْم الحديث فَرْقًا آخر؛ إذ تفرز الخصية مئات الملايين من الحيوانات المنوية في كل قذفة، بينما يفرز المبيض بويضة واحدة كل شهر، كما أن خصائص الحيوان المنوي تجسد صفات الرجولة، بينما البويضة تجسد خصائص الأنوثة، فالحيوان المنوي له رأس مدبب وعليه قلنسوة مصفحة، وله ذيل طويل، وهو سريع الحركة قوي الشكيمة، لا يقر له قرار حتى يصل إلى هدفه أو يموت، بينما البويضة كبيرة الحجم، هادئة، ساكنة، تسير بدلال، فإن أتاها زوجها وإلا ماتت في مكانها، ثم قذفها الرحم مع دم الطمث.
وثمة فروق في مراحل أخرى في مقالنا القادم إن شاء الله.