الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 14 يونيو 2020 - 22 شوال 1441هـ

مظاهر القسوة في مجتمعاتنا (32) آيات من القرآن في ذم القسوة (10)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قال الله -عز وجل- في سورة الحج: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ . وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) (الحج:52-55).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "قَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ هَاهُنَا قِصَّةَ الغَرَانيق، وَمَا كَانَ مِنْ رُجُوعِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُهَاجِرَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ؛ ظَنًا مِنْهُمْ أَنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ قَدْ أَسْلَمُوا، وَلَكِنَّهَا مِنْ طُرُقٍ كُلُّهَا مُرْسَلَةٌ، وَلَمْ أَرَهَا مسندةً مِن وجهٍ صحيحٍ، والله أعلم.

روى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بسنده عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْر، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَكَّةَ "النَّجْمَ"، فَلَمَّا بَلَغَ هَذَا الْمَوْضِعَ: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى . وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) (النجم:19-20)، قَالَ: فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ: "تِلْكَ الغَرَانيق الْعُلَى. وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَجَى"، قَالُوا: مَا ذَكَرَ آلهَتنا بِخَيْرٍ قَبْلَ الْيَوْمِ؛ فسجَدَ وَسَجَدُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَذِهِ الْآيَةُ: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِنَحْوَهُ وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -فِيمَا أَحْسَبُ الشَّكُّ فِي الْحَدِيثِ- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَرَأَ بِمَكَّةَ سُورَةَ "النَّجْمِ"، حَتَّى انتَهَى إِلَى: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى)، وَذَكَرَ بَقِيَّتَهُ. ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نعلمه يُرْوَى مُتَّصِلًا إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ".

قلتُ: ضعفه الشيخ الألباني -رحمه الله-.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "وَإِنَّمَا يُروى هَذَا مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَعَنِ السُّدِّيِّ، مُرْسَلًا. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، مُرْسَلًا أَيْضًا.

وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ إِذْ نَعَس، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانهِ: "وَإِنَّ شَفَاعَتَهَا لَتُرْتَجَى. وَإِنَّهَا لَمَعَ الْغَرَانِيقِ الْعُلَى"، فَحَفِظَهَا الْمُشْرِكُونَ. وَأَجْرَى الشَّيْطَانُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ قَرَأَهَا، فزَلَّت بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى) الْآيَةَ، فدَحَرَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ -وذكر السند- عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ سُورَةُ النَّجْمِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ أَقْرَرْنَاهُ وَأَصْحَابَهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَذْكُرُ مَنْ خَالَفَ دِينَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِمِثْلِ الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَنَا مِنَ الشَّتْمِ وَالشَّرِّ.

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ مَا نَالَهُ وَأَصْحَابَهُ مِنْ أَذَاهُمْ وَتَكْذِيبِهِمْ، وَأَحْزَنَهُ ضَلَالُهُمْ، فَكَانَ يَتَمَنَّى هُداهم، فَلَمَّا أَنْزَلَ الله سورة "النَّجْمِ" قَالَ: (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى . وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى) أَلْقَى الشَّيْطَانُ عِنْدَهَا كَلِمَاتٍ حِينَ ذَكَرَ اللَّهُ الطَّوَاغِيتَ، فَقَالَ: "وَإِنَّهُنَّ لَهُنَّ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَهِيَ الَّتِي تُرْتَجَى"، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ سَجْعِ الشَّيْطَانِ وَفِتْنَتِهِ، فَوَقَعَتْ هَاتَانِ الْكَلِمَتَانِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُشْرِكٍ بِمَكَّةَ، وَزَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، وَتَبَاشَرُوا بِهَا، وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا، قَدْ رَجَعَ إِلَى دِينِهِ الْأَوَّلِ، وَدِينِ قَوْمِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- آخِرَ النَّجْمِ، سَجَدَ وَسَجَدَ كُلُّ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُشْرِكٍ، غَيْرَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ كَانَ رَجُلًا كَبِيرًا، فَرَفَعَ ملء كَفِّهِ تُرَابًا فَسَجَدَ عَلَيْهِ. فَعَجِبَ الْفَرِيقَانِ كِلَاهُمَا مِنْ جَمَاعَتِهِمْ فِي السُّجُودِ، لِسُجُودِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَعَجِبُوا لِسُجُودِ الْمُشْرِكِينَ مَعَهُمْ عَلَى غَيْرِ إِيمَانٍ وَلَا يَقِينٍ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ سَمِعُوا الذي أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي مَسَامِعِ الْمُشْرِكِينَ؛ فَاطْمَأَنَّتْ أَنْفُسُهُمْ لِمَا أَلْقَى الشيطانُ فِي أُمْنِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَحَدَّثَهُمْ بِهِ الشَّيْطَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَرَأَهَا فِي السُّورَةِ، فَسَجَدُوا لِتَعْظِيمِ آلِهَتِهِمْ، فَفَشَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فِي النَّاسِ، وَأَظْهَرَهَا الشَّيْطَانُ، حَتَّى بَلَغَتْ أَرْضَ الْحَبَشَةِ وَمَنْ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابَهُ، وَتَحَدَّثُوا أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَدْ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ، وَصَلُّوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَبَلَغَهُمْ سُجُودُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَلَى التُّرَابِ عَلَى كَفِّهِ، وحُدِّثوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَمِنُوا بِمَكَّةَ فَأَقْبَلُوا سِرَاعًا وَقَدْ نَسَخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ، وَأَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ، وَحَفِظَهُ مِنَ الْفِرْيَةِ، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)، فَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهِ قَضَاءَهُ، وَبَرَّأَهُ مِنْ سَجْعِ الشَّيْطَانِ، انقَلَبَ الْمُشْرِكُونَ بِضَلَالِتهِمْ وَعَدَاوَتِهِمُ الْمُسْلِمِينَ، وَاشْتَدُّوا عَلَيْهِمْ، وَهَذَا أَيْضًا مُرْسَلٌ.

وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، نَحْوَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحافظ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" فَلَمْ يَجُزْ بِهِ مُوسَى بْنَ عُقْبَةَ".

قال ابن كثير -رحمه الله-: "قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَهَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا، وَكُلُّهَا مُرْسَلَاتٌ وَمُنْقَطِعَاتٌ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ سَاقَهَا الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مَجْمُوعَةً مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيّ، وَغَيْرِهِمَا بِنَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ سَأَلَ هَاهُنَا سُؤَالًا؛ كَيْفَ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا مَعَ الْعِصْمَةِ الْمَضْمُونَةِ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-؟ ثُمَّ حَكَى أَجْوِبَة عَنِ النَّاسِ، مِنْ أَلْطَفِهَا: أَنَّ الشَّيْطَانَ أَوْقَعَ فِي مَسَامِعِ الْمُشْرِكِينَ ذَلِكَ، فَتَوَهَّمُوا أَنَّهُ صَدَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَيْسَ كذلك في نفس الأمر؛ بل إنما كَانَ مِنْ صَنِيعِ الشَّيْطَانِ لَا عن رَسُولِ الرَّحْمَنِ -صلى الله عليه وسلم-، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.   

وَهَكَذَا تَنَوَّعَتْ أَجْوِبَةُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَنْ هَذَا بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، وَقَدْ تَعَرَّضَ الْقَاضِي عِيَاضٌ -رَحِمَهُ اللَّه- فِي كِتَابِ "الشِّفَاءِ" لِهَذَا، وَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ، أنها كذلك لثبوتها.

وَقَوْلُهُ: (إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)، هَذَا فِيهِ تَسْلِيَةٌ من الله لرسولهُ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-، أَيْ: لَا يَهيْدَنّك ذَلِكَ، فَقَدْ أَصَابَ مِثْلَ هَذَا مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (فِي أُمْنِيَّتِهِ) إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ، فَيُبْطِلُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثم َيُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)، يَقُولُ: إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: (إِذَا تَمَنَّى) يَعْنِي: إِذَا قَالَ.

وَيُقَالُ: (أُمْنِيَّتِهِ): قِرَاءَتُهُ، (إِلا أَمَانِيَّ) (الْبَقَرَةِ: ??) يَقُرأونَ وَلَا يَكْتُبُونَ.

قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ: (تَمَنَّى) أَيْ: تَلَا وَقَرَأَ كِتَابَ اللَّهِ، (أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) أَيْ: فِي تِلَاوَتِهِ، قَالَ الشَّاعِرُ فِي عُثْمَانَ حِينَ قُتِلَ:

تـَـمـَنّى كـتَـابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلة               وآخرَها لاقَى حُمَامَ المَقَاديرِ

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: (إِذَا تَمَنَّى): إِذَا تَلَا.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الْكَلَامِ.

وَقَوْلُهُ: (فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ)، حَقِيقَةُ النَّسْخِ لُغَةً: الْإِزَالَةُ وَالرَّفْعُ.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ فَيُبْطِلُ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَسَخَ جِبْرِيلُ -بِأَمْرِ الله- ما ألقى الشيطان، وأحكم الله آياته.

وَقَوْلُهُ: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ)، أَيْ: بِمَا يَكُونُ مِنَ الْأُمُورِ وَالْحَوَادِثِ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.

(حَكِيمٌ) أَيْ: فِي تَقْدِيرِهِ وَخَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، لَهُ الْحِكْمَةُ التَّامَّةُ وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أَيْ: شَكٌّ وَشِرْكٌ وَكُفْرٌ وَنِفَاقٌ، كَالْمُشْرِكِينَ حِينَ فَرِحُوا بِذَلِكَ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ صَحِيحٌ من عند الله، وَإِنَّمَا كَانَ من الشيطان.

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) هُمُ: الْمُنَافِقُونَ، (وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ): الْمُشْرِكُونَ.

وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: هُمُ الْيَهُودُ.

(وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) أَيْ: فِي ضَلَالٍ وَمُخَالَفَةٍ وَعِنَادٍ بَعِيدٍ، أَيْ: مِنَ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ".

وللحديث بقية -إن شاء الله-.