كتبه/ وائل رمضان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ، قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ، فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) (الأحقاف:24).
نجد هنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تعامل مع هذا الحدث تعاملًا حكيمًا دقيقًا، فلم يفزع -صلى الله عليه وسلم- إلى ترويع الناس وتخويفهم بما يُخرج تعاملهم عن حد الوسطية والعقلانية، بل أشار -صلى الله عليه وسلم- إلى أنه (قد) يحمل شرًّا يجب الاحتياط له، بالرغم من أنه خير في ظاهره، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)، فما بالك بما سواه من الأحداث التي ظاهرها الشر المحض؟!
حال المؤمن:
هذا هو حال المؤمن الحق الذي يعتبر ويتعظ، ويخشى من العواقب إذا تغيرت الأحوال العامة، ونزلت آية كونية: كالكسوف والخسوف، وشدة الرياح والزلازل، والأمراض: كالأوبئة والطاعون، وغيرها، فيعلم أن ذلك لا يكون عبثًا، وإنما لحكمة أرادها الله -تعالى-.
معالجة حكيمة:
والمؤمن مع ذلك الخوف والوجل، يتعامل بحكمة وروية، ويضع الأمور في نصابها الطبيعي دون تهويل يرعب الناس، أو تهوين يجعلهم يستخفون بالحدث مما ينعكس سلبًا على نتائجه وآثاره، وهكذا يجب أن يكون تعاملنا مع التحديات والأزمات مهما كانت طبيعتها، ولا سيما تلك التي تحيق بالأفراد والجماعات والمجتمعات.
تحدي فيروس "كورونا":
وتنطبق هذه القاعدة على تحدي فيروس "كورونا" الذي انتشر في عشرات الدول، وقد سيطرت أنباؤه على ما سواها، حتى توسعت دائرة الجدل المثار حوله، فالبعض هوَّل منه ورأى أنه فيروس خطير، يستحق اهتمام العالم بأسره، بينما هون البعض الآخر منه نظرًا لعدد وفياته القليل إذا ما قورن بأمراض أخرى.
آثار سلبية:
ولا شك أن لكلا الأمرين -التهويل أو التهوين- آثارًا سلبية على المجتمع ككل، فمحاولات التهوين من الأزمة، وعدم الشفافية في تقييم حجمها الحقيقي يزيد من الخسائر المحتملة، ويفقد السيطرة عليها، والتعامل معها بما تستحق من عناية واهتمام، فالتقييم الحقيقي للأزمة يساعد على الإدارة الفعالة لها، والتعامل الجاد معها، وتحديد مدى تأثيرها وحجم الضرر الواقع والمتوقع منها.
صناعة غربية:
ومن صور التهويل التي انتشرت بين الناس، اعتبار انتشار هذا الفيروس صناعة غربية ضمن حرب بيولوجية تقودها بعض الدول، ولا شك أن هذا التحليل قد يكون مقبولًا وتؤيده بعض الأحداث والمواقف؛ إلا أن تضخيمه وإبرازه بشكلٍ يثير الرعب في القلوب والنفوس أمر مرفوض ولا شك، وقد تكون لذلك نتائج كارثية على الأمن والسلم المجتمعي.
نوع من الطاعون:
مِن صور التهويل أيضًا -والتي تثير الفزع في القلوب-: أن يتم تصويره للمجتمع على أنه نوع من الطاعون؛ ذلك الوباء البكتيري الذي حصد فيما كان قبلنا ملايين مِن البشر، بينما لم يتوقع الأطباء -وهم أهل الذكر- أن يصل مثل كورونا إلى هذا الحد.
تجنب التفسير القدري:
أما التهوين من هذا الحدث فتتمثل أخطر صوره في محاولة تجنب التفسير القدري الكوني لمثل هذه الظواهر، فنحن مع علمنا أن مثل هذه الابتلاءات تصيب المؤمن والكافر على حدٍ سواء، إلا أننا من منطلق إيماننا بقضاء الله وقدره، نخاف أن يكون ما حل بنا مما كسبت أيدينا، ويكون ذلك عقابًا من الله -تعالى-، وبجانب هذا الإيمان لا نهمل الأسباب المادية في التعامل معه، فهي الفروض التي أوجبها الشرع علينا.
نظرة المؤمن:
فالمؤمن ينظر لهذه الأمور نظرة مختلفة عن غيره، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الريح، فالمؤمن يخاف من عذاب الله وانتقامه، قال -تعالى-: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ . أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) (الملك:16-17)، فكلما تعرف العبد على صفات الجلال لله من الكبرياء والعظمة، والعزة والغلبة، والمكر بأهل المكر، والانتقام من المجرمين، وتأمل في أفعاله فيمن مضى، وسنته في الجاحدين والغافلين؛ استعظم الله وخافه أشد الخوف، وهرب مِن عذابه إلى رحمته، ولم يأمن مكره -سبحانه-.
ميت القلب:
وأما ميت القلب؛ فهو في غفلةٍ عظيمةٍ عن التدبر والتفكر في آيات الله وأفعاله التي يرسلها الله لعباده إشارات ونذرًا، (وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) (يونس:101).
عافانا الله وإياكم مِن كل سوءٍ.