كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فنستكمل حديثنا في هذا الجزء مع الأدب الخامس مِن آداب الحوار، بعد أن أوضحنا سابقًا أربعة آداب مِن آداب الحوار.
متمثلة في:
1- الإخلاص والانصاف عند المحاورة.
2- الإلمام بالمَسّألة المتحاور فيها.
3- تحديد موضوع النقاش وتحرير محل النزاع فيه.
4- الحرص على التكافؤ بين المتحاورين.
وها نحن نشرع الآن -بإذن الله وعونه- في ذكر الأدب الخامس.
5- فهم كلام الطرف الآخر فهمًا صحيحًا:
فليس كلُّ أحدٍ أوتي مِن حسن التعبير عن مقصوده أو حسن الفهم عن غيره ما ينبغي أن يكون عليه؛ ولذلك لابد مِن:
- الفهم لكلام المخالف، وعدم الرد عليه حتى يُفهم كلامه؛ لأن الجواب على كلامٍ -كائنا ما كان- لا يكون ذا فائدةٍ مرجوةٍ إلا بعد فهم الكلام وإدراك مغزاه؛ إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، بل في الحقيقة يُعد الجواب قبْل الفهم مِن الحُمق.
قال الخطيب البغدادي: "ولا يتكلم على ما لم يقع له علمه مِن كلامه، فإن الجواب لا يصح عما لم يفهمه، ولم يتصور مراد خصمه منه" (الفقيه والمتفقه).
وقال ابن القيم: "لما كان المقصود بالخطاب دلالة السامع وإفهامه مراد المتكلم مِن كلامه، وأن يبين له ما في نفسه مِن المعاني، وأن يدله على ذلك بأقرب الطرق، كان ذلك موقوفًا على أمرين: بيان المتكلم، وتمكن السامع مِن الفهم" (الصواعق المرسلة).
- وكذلك لابد أن يكون هناك أيضًا حسن فهم لحجج الطرف الآخر، وأدلته وأقواله، والخلفيات المؤثرة في واقعه وتصرفاته، ولا ينبغي أن يناقش أحدٌ أحدًا ويدخل معه في حوارٍ وهو لم يفهم بعد مراده وقصده وحجته؛ حتى لا يعاب قول صحيح لأحد المتحاورين بسبب عدم الفهم للكلام، وكذلك حتى لا تكون الإجابة إجابة سيئة مضللة للسامعين لا خير فيها، فعن ابن وهب قال: سمعت مالكًا يقول: "لا خير في جواب قبْل فهمٍ" (الفقيه والمتفقه).
وقال ابن عبد البر: "أوصى يحيى بن خالد ابنه جعفرًا قَائلًا: "لا ترد على أحدٍ جوابًا حتى تفهم كلامه، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره، ويؤكد الجهل عليك، ولكن افهم عنه، فإذا فهمت فأجبه، ولا تعجل بالجواب قبْل الاستفهام، ولا تستحِ أن تستفهم إذا لم تفهم؛ فإن الجواب قبْل الفهم حمق، وإذا جهلت قبْل أن تسأل؛ فاسأل فيبدو لك، واستفهامك أجمل بك وخير مِن السكوت على العيِّ" (جامع بيان العلم وفضله).
وقال الجويني: "عليك بمراعاة الخصم وتفهم معانيه على غاية الحد والاستقصاء؛ فإن فيه أمانًا مِن اضطراب ترتيب فصول الكلام عليك، فيسهل عليك عند ذلك وضع كل شيء في موضعه، وفيه أيضًا أمان مِن تلبيس الخصم والذهاب عن تزويره" (الكافية في الجدل).
وقال ابن عقيل: "وإذا كان الغرض بالجدال إدراك الحق به، وكان السبيل إلى ذلك التثبت والتأمل، وجب على كل واحد مِن الخصمين استعمالهما، وإلا حصل على مجرد التعب مع حرمان الظفر" (الواضح).
- هذا وفي فهم كلام المحاور فوائد عدة أخرى، منها:
- اختصار الطريق إلى الجواب.
- تحديد ما يحتاج إلى جواب.
- إدراك ما في قوله مِن تناقض.
- اختصار الوقت.