الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 15 أكتوبر 2017 - 25 محرم 1439هـ

مختصر الكلام في مناقب شيخ الإسلام (2)

كتبه/ نصر رمضان  

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهما الله-: "وحضرتُه مرة، صلى الفجر ثم جلس يذكر الله -تعالى- إلى قريبٍ مِن انتصاف النهار، ثم التفتَ إليَّ، وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدَ الغداء، سقطت قوتي!".

وقال لي مرة: "المحبوس: مَن حُبس قلبه عن ربه -تعالى-، والمأسور مَن أسره هواه, ولما دخل إلى القلعة، وصار داخل سورها، نظر إليه وقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) (الحديد:13)".

وقال: "وشهدتُه إذا أعيته المسائل، واستصعبت عليه؛ فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار، والاستغاثة بالله، واللجأ إليه، واستنزال الصواب مِن عنده، والاستفتاح مِن خزائن رحمته، فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًّا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ, ولا ريب أن مَن وُفق لهذا الافتقار علمًا وحالًا، وسار قلبه في ميادينه بحقيقةٍ وقصد؛ فقد أعطي حظه مِن التوفيق, ومَن حُرِمَه؛ فقد منع الطريق والرفيق!".

وقال ابن فضل الله العمري: "اجتمع عليه عصبُ الفقهاء والقضاة بمصر والشام، وحشدوا عليه خيلهم ورجلهم؛ فقطع الجميع، وألزمهم الحجج الواضحات أيّ إلزام، فلما أفلسوا أخذوه بالجاه والحكام".

ومع ذلك قال -رحمه الله-: "وأنا والله مِن أعظم الناس معاونة على إطفاء كل شر... وإقامة كل خير، وابن مخلوف لو عمل مهما عمل, والله ما أقدر على خير إلا وأعمله معه, ولا أعين عليه عدوه قط, ولا حول ولا قوة إلا بالله, هذه نيتي وعزمي، مع علمي بجميع الأمور, فإني أعلم أن الشيطان ينزغ بيْن المؤمنين, ولن أكون عونًا للشيطان على إخواني المسلمين, ولو كنتُ خارجًا لكنتُ أعلم بماذا أعاونه، لكن هذه مسألة قد فعلوها زورًا, والله يختار للمسلمين جميعهم ما فيه الخيرة في دينهم ودنياهم, ولن ينقطع الدَّوْرُ, وتزول الحيرة, إلا بالإنابة إلى الله والاستغفار والتوبة وصدق الالتجاء, فإنه -سبحانه- لا ملجأ منه إلا إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله!".

وقال -رحمه الله-: "هذا وأنا في سعة صدر لمَن يخالفني, فإنه وإن تعدى حدود الله فيَّ بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية؛ فأنا لا أتعدى حدود الله فيه, بل أضبط ما أقوله وأفعله, وأزنه بميزان العدل, وأجعله مؤتمًا بالكتاب الذي أنزله الله, وأجعله هدى للناس, حاكمًا فيما اختلفوا فيه!".

وقال -رحمه الله-: "فلا أحب أن يُنتصر مِن أحدٍ بسبب كذبه عليَّ أو ظلمه وعدوانه, فإني قد أحللتُ كل مسلم, وأنا أحب الخير لكل المسلمين, وأريد لكل مؤمن مِن الخير ما أحبه لنفسي, والذين كذبوا وظلموا؛ فهم في حل مِن جهتي, وأما ما يتعلق بحقوق الله فإن تابوا تاب الله عليهم, وإلا فحكم الله نافذ فيهم, ولو كان الرجل مشكورًا على سوء عمل؛ لكنتُ أشكر كلَّ مَن كان سببًا في هذه القضية؛ لما يترتب عليه مِن خيري الدنيا والآخرة, لكن الله هو المشكور على حسن نعمه وآلائه وأياديه, الذي لا يقضي للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له".

قال ابن مخلوف: "ما رأينا مثل ابن تيمية، حرّضنا عليه فلم نقدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا!".

فرحمة الله وبركاته على هذه الأنفس التي:

تـحـيـا بهم كل أرض يـنـزلـون بهـا                  كـأنـهـم في بـقــاع الأرض أمـطـار

وتشتهي العين فيهم منظرًا حـسنـًا                  كـأنـهـم في عيـون الـنـاس أزهــار

ونـورهـم يهـتـدي الساري برؤيتـه                  كـأنـهـم فـي ظــلام الـلـيـل أقــمــار

لا أوحـش الـلـه ربعـًا مِن زيارتهـم                 يا مَن لهم في الحشا والقلب تذكار