الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 15 يوليه 2017 - 21 شوال 1438هـ

تحديات وعقبات في طريق المنهج الإصلاحي (1)

كتبه/ محمد إبراهيم منصور

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أولًا: تحدياتٌ عالمية:

وتتلخص فيما يُسمَّى بصراع الحضارات، وهو التصور السائد عند كثيرٍ مِن محركي ومنظـِّري السياسة العالمية: "أن الصراع الأكبر سيكون صراع الثقافات أو الحضارات", وأن الحضارة الإسلامية لكونها تستعصي على الذوبان في غيرها، وتَحمل في طياتها الممانعة مِن أن تُستوعب مِن غيرها مِن الحضارات، وتملك القدرة على المنافسَة إذا أزيح الغبار عن وجهها الحقيقي المشرق؛ الذي يَحمل السعادة للبشرية كلها؛ لأنها لا تقوم على ساقٍ واحدة كما هو الحال في الحضارة الغربية؛ وهي ساق "المادة" المتمثلة في: القوة العسكرية، والاقتصادية، والشهوات البشرية.

وإنما تقوم الحضارة الإسلامية على ساقين: "بناء العمران، وبناء الإنسان"؛ فكثيرٌ مِن منظري السياسة العالمية يرون أن المنافِس القوي للحضارة الغربية، هو الحضارة الإسلامية؛ لذلك لا ينبغي أن يُترك المجال لمَن يعمل على إحيائها مرة أخرى، بل لا بد مِن استخدام جميع الوسائل للحيلولة دون ذلك.

وقد أسفرت الدراسات الاستشراقية، ومراكز الأبحاث الغربية عن تقسيم وتقييم لعوامل القوة وعوامل الضعف في مفردات الفكر المنسوب إلى المسلمين، وكذلك الاتجاهات والمناهج التي كان لها انتشار بيْن المسلمين؛ فوجدوا أن عوامل القوة التي إذا وَجدتْ مَن يحملها حملاً صحيحًا فإنها مِن شأنها أن تعيد الحضارة الإسلامية للمنافسة مرة أخرى, هي:

العامل الأول: اعتقاد المسلم أن الإسلام منهج حياة، وليس مجرد علاقة روحية بيْن الإنسان وربه، وإنما هو أوسع مِن ذلك؛ حيث يشمل جميع مجالات الحياة، يضع لها القواعد والضوابط التي تضمن الاستقرار والازدهار، والبناء والتعمير، وتظلّ الإنسان في كل الميادين بما يضمن السعادة في الدارين.

العامل الثاني: معيار الفهم لهذا الإسلام؛ وهو ذلك المعيار الذي لا خلاف عليه، وهو معيار يضمن الثبات والاستقرار للأصول والثوابت، ويتيح ذلك بقواعده الواقعية والمرونة مع المستجدات، لكن في إطار ثابت يَمنع مِن الانحراف.

وذلك المعيار هو: "الكتاب والسُّنة بفهم أعلم الناس بالكتاب والسُّنة "الصحابة والتابعيين وتابعيهم بإحسان"، أي فهم الكتاب والسُّنة مِن خلال تلك القواعد التي أرساها أئمة القرون الخيرية الثلاثة الذين أثنى عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم-.

العامل الثالث: "عامل الوعي الحضاري": وهو يقين المسلم أن له حضارة متميزة قادرة على إسعاد البشرية كلها، وأن هذه الحضارة سوف تستعيد مكانتها العالمية إن وَجدتْ مَن يحملها، ويزيح الغبار عنها، ويَعْرضها بصورتها الصحيحة النقية.

العامل الرابع: هو القواعد الواقعية للإصلاح، والتي تؤصِّل للإصلاح التدريجي الواقعي، والتي تبيِّن معالم وسمات تلك الطريقة التي ينبغي أن تُسلك؛ لإحياء هذه الحضارة مِن جديدٍ، المتمثلة في المنهج الإصلاحي المتدرج الواقعي، البعيد عن الصدام والانفعال العاطفي.

كما أسفرت الدراسات الاستشراقية، والمراكز البحثية المتخصصة فيما بعد عن ترتيب المناهج والحركات التي لها انتشار في الأوساط الإسلامية على مستوى العالم مِن حيث عوامل القوة، وعوامل الضعف المتعلقة بالإحياء الحضاري؛ فوجدوا أن هناك منهجًا يَحمل عوامل القوة السابقة، وهو المنهج الإصلاحي الذي تبلورتْ معالمه في المنهج السلفي، ولمواجهة هذا المنهج الإصلاحي سلكوا كل السُّبُل لحصاره والتضييق عليه؛ لكي يتمكنوا مِن القضاء عليه -إن استطاعوا-.

وكان مِن هذه السبل:

أولًا: الضغط على جميع الأنظمة بالتضييق عليه وحصاره، مستخدمين جميع أساليب الضغط؛ الناعمة منها والخشنة، وإن استدعى ذلك هدم دول هدموها، ولم يتورعوا عن ذلك، بل وإن استدعى إشعال حروب إبادة سارعوا إليها دون ترددٍ!

ثانيًا: دعم مناهج بديلة لا تحمل عوامل قوة الإحياء الحضاري، ووجدوا أن هناك مناهج لها وجود وانتشار بالفعل.

وعلى رأسها:

1- المنهج الخرافي السلبي بالنسبة للإحياء الحضاري: وهو المنهج الذي يقوم على الخرافة ويؤصِّل لكون الإسلام مجرد علاقة روحية بيْن العبد وربه، وعلى الأكثر أخلاقية، لكن لا شأن له بالحياة.

2- المنهج المفرَّغ: فمع أنه يقول إن الإسلام منهج حياة؛ إلا إنك إذا فتشتَ في داخله؛ لم تجد شيئًا، وإنما هو مجرد شعارات.

3- المنهج الصدامي: الذي يُستقطب مِن خلاله الكثير ممن عندهم الحماس والعاطفة؛ ليُستخدموا في الهدم بدلاً مِن أن يستثمرهم المنهج الإصلاحي للبناء، فما كان مِن محركي فكرة صراع الحضارات إلا أن اتخذوا القرار بالتضييق على المنهج الإصلاحي وتشويهه، والضغط على الأنظمة للضغط عليه, وفي نفس الوقت دعم المناهج البديلة "السلبي منها، والمفرَّغ، والصدامي"؛ لتكون تلك المناهج التي تَحمل عوامل الضعف بالنسبة للإحياء الحضاري بديلاً عن المنهج الإصلاحي، بل دُفع لكل منهج مِن هذه المناهج دولة ودول تدعمه بطريقة علنية أو غير علنية، وكل هذا يحمل في طياته تحديات كبيرة للمنهج الإصلاحي وحملته، بل وسُلطتْ وسائلُ الإعلام بكل صورها لتشويهه وتشويه حملته، وإثارة الشبهات ليل نهار حول ثوابته!

ثالثًا: صناعة منهج رابع على أعينهم، يبشِّر بإسلامٍ جديدٍ تمامًا، يتوافق مع متطلبات الهيمنة الحضارية الغربية!

رابعًا: العمل على إغراق شباب المسلمين في الشبهات والشهوات؛ لتشكيكهم في ثوابتهم وأصول دينهم، وخلعهم منها مِن جهةٍ، وشغلهم بشهواتهم مِن الجهة الأخرى؛ فلا يكون لهم همٌّ إلا شهواتهم، وهذا الدور الخطير يقوم فيه الإعلام بالقصف مِن الجو؛ لتقوم الكثير مِن مؤسسات المجتمع المدني التابعة والممولة مِن الخارج بدور الهجوم البري.