الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 24 ديسمبر 2025 - 4 رجب 1447هـ

أثر العربية في نهضة الأمة (15)

كتبه/ ساري مراجع الصنقري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلسنا في حاجةٍ إلى الحديث عن تُراث لُغتنا الماضي، وإنَّما ينبغي لنا أن نرقب خُطى حاضرها، ونربط يومها الزَّاهر بغدها المُشرق.

ومع إيماننا برغبة العرب الأكيدة وآمالهم العريضة في أن تستعيد العربية مجدها وترفع ألوية حضارتها، فإننا نؤمن أيضًا -إيمانًا جازمًا- بأنَّ هذه الآمال لن تتحق إلا إذا سلكوا بالعربية طريق اليُسر والسُّهولة، فهي موكولةٌ إليهم، يضطلعون بعبء نُهوضها، ويساهمون جميعًا في تطويرها.

قال الأديب النَّاقد الأستاذ أنيس المقدسي (1886م - 1977م): "لا أعتقد أنَّ أحدًا يرغب أن يحدث ثغرة في اللغة وقواعدها، فجميعنا مجمعون على المحافظة على فصاحة الألفاظ وصحة التَّراكيب، على أنَّ نظرنا يجب ألّا ينحصر في فصاحة اللغة فقط؛ إذ لا بُدَّ لنا من النَّظر أيضًا في حيويتها، وهنا مثار الخلاف بين أهل اللغة، ومعنى الحيوية أن نجعل اللغة أكثر تَمشِّيًا مع ناموس التطور ومطالب الحضارة، وذلك باعتماد هذين المبدأين:

(1) إذا تساوى لفظان أو مصطلحان في المعنى فالْأَوْلى أن نستعمل أو نُقرِّر منهما ما كان أقربَ إلى أفهام الجمهور المُثقَّف، وأجدرَهما بالبقاء.

(2) يجب أن نجعل اللغة مُحبَّبةً إلى الجيل الحاضر والأجيال القادمة بالأخذ بالمألوف دون الغريب، واللطيف دون القاسي، والواضح دون المُعقَّد، مع المحافظة على فصاحتها، وصحة تراكيبها" (انتهى).

وفي نفس المضمار قال اللُّغويُّ الأديب الأستاذ أمين الخولي (1895م - 1966م): "مسألة المحافظة على اللغة العربية هذه قضيَّةٌ لا محلَّ للخلاف عليها في شيء، لأنَّنا بما نطلب من توفيرِ حيويَّةٍ لِلُّغةِ إنَّما نريد تجديدًا لا تبديدًا، ونحن لا نستخلص ما نريده إلا من اللغة العربية، فنُثير حيوية اللغة العربية نفسها وقدرتها على التَّعبير المُيسَّر، والقول بأنَّ هذه القواعدَ أصيلةٌ أو غيرُ أصيلةٍ يحتاج إلى سؤالٍ، فالقاعدة المعروضة مأخوذةٌ من كُتبِ النَّحو، وإذا لَم تكن من الأصيلة فنبِّئُونا ما تكون الأصيلة؟

فحماية اللغة العربية إذَنْ أمرٌ لا شَكَّ فيه، ونحن نتكلم داخل إطارها، ونأخذ من اللغة والمعاجم الأيسر والأسهل، وهذا التَّيسير ممّا أقولُ به، وهو أن نتتبَّع الصَّحيح ممّا في المعاجم، فَلْنَترُكْ مسألةَ المُحافَظةِ -أي نترك الحديث عنها-، لأنَّنا مُتَّفِقون عليها، وأنَّنا لا نريد أن نأخذ إلّا من الإطار اللغوي" (انتهى).

فنرجو أن يكون المسؤولون على قدر الأمانة، وأن يعرفوا ما بين أيديهم، فإنَّهم لا يحتاجون إلى مَن يُذكِّرُهم دائمًا بأنَّ اللُّغةَ العربيَّةَ هي المُوحِّدةُ بين أقطارِ العرب، وأنَّها الحبلُ المتينُ بين العربِ ودينِهم وتُراثِهم، وإنَّما يحتاجون فقط إلى اللَّفْتِ اليسير.

وإلى اللِّقاءِ في المقال القادم -بإرادةِ المَولى-.