الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 30 أبريل 2016 - 23 رجب 1437هـ

كبسولات سريعة في قضية السُّنة

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تعرَّضنا في عددٍ من المقالات السابقة لمناقشة الشبهات التي يوجهها البعض إلى السنة النبوية المشرفة، وفي هذه المقالة نحاول أن نَسوغ كثيرًا مِن هذه الأفكار على شكل "كبسولات" سريعة تعالِج كل منها شُبهة، أو تلقي الضوء على حقيقة، وهي بلا شك لا تُغني عن المناقشة المُطوَّلة التي تبنى فيه هذه المناقشات بعضها على بعض.

1- مُنكري السنة... هل يُصلُّون؟!

نسأل مُنكري حجية السنة أو الذين يتشككون في صحة ما أثبت علماء الحديث صحة نسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا السؤال: هل تُصلُّون؟ وهل تُصلون على تلك الهيئة التي يُصلي عليها عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؟!

ومعلوم أن مَن كانت إجابته على أحد هذين السؤالين بـ"لا"؛ فلا حاجة إلى أن نستكمل الحوار معه أصلاً.

ويبقى مَن يقول إنه يُصلي، وعلى هذه الهيئة التي يصلي عليها عموم المسلمين؛ فنسأله: أين تجد هذا لو اقتصرتَ على القرآن؟!

بل أين تجد تلك الكيفية لو اقتصرت على القرآن والبخاري ومسلم؟!

والمُحَصِّلة أنه يُصلي بكيفية ورد مجموعها في القرآن والبخاري ومسلم، وأحاديث صحيحة أخرى وردت في باقي دواوين السنة؛ فكيف يجمع بيْن رجوعه إلى كتب السنة في أعظم عبادات البدن "الصلاة"، وبين نقده لدواوين السنة "البخاري فمن دونه"؟!

وإلى أن يَحِلُّوا هذا التناقض عليهم أن يلتزموا الصمت على الأقل.

2- مَن سمع الكلام من النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة: هل يسعه رده؟!

نسأل هؤلاء من السؤال التالي: مَن سمع الكلام من النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة هل يسعه رده؟!

فإن قالوا: "نعم" كفروا؛ لأنهم نقضوا شهادة أن محمدًا رسول الله، وردوا أمر الله في قوله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر:7).

وإن قالوا: "لا"؛ فيكونوا بذلك قد أقروا بحجية السنة، وبقي الكلام في التثبت في صحة نسبة الأخبار التي تبلغك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

3- الدنيا قائمة على الأخبار، فما هو ضابط القبول والرد عندكم؟

معظم ما يحتاج الإنسان إليه مِن علاقته بحكومته، وعلاقته بإدارة عمله، وعلاقته بالمجتمع قائم على أخبار تُنقل له مِن الآخرين، وليس عن سماع مباشر، ومِن ثَمَّ نسأل هؤلاء: أيوجد في الدنيا مَن لا ينسب قولاً أو فعلاً إلى شخص إلا إذا عاينه؟!

فمن قال: "نعم"؛ فإنه يناقض واقع حاله، ويفضي قوله إلى تعذر حكم القاضي على أي مجرم، وتعذر الحكم بثبوت أي حق. وإن قال: "لا"؛ لزمه قبول الأخبار، ولكن مع تمييز ما تقوم به الثقة مما لا تقوم به الثقة.

4- إن رددتم السنة الصحيحة فردوا كل خبر على وجه الأرض بعدها:

يشغب كثير مِن منكري السنة عليها بقضية وجود الكذابين والوضاعين، وكأن الأمة أهملت طوال أربعة عشر قرنًا من الزمان؛ فقبلت الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واتخذته دينًا! والواقع أن الأمة نقحت، ولم تقبل بكل ما يُروى، بل لم تقبل إلا ما كان مِن رواية الثقة عن مثله.

والثقة: هو العدل الضابط.

والعدل: هو مَن يفعل الفرائض، ويجتنب النواهي، ويترك خوارم العادات "فهذه شروط ثلاثة في دين الراوي".

ومعرفة ضبط الراوي يحتاج منا أن نعرف قوة حفظه، وجودة خطه، وقوة بصره "وهذه ثلاثة أخرى في حفظ الراوي".

وبعد هذا نقول لهم: إن لم تقبلوا السنة التي مرت بكل هذه المراحل مِن التنقيح؛ فردوا كل خبر على وجه الأرض إن استطعتم!

5- السنة وحي وهو محفوظ كحفظ القرآن:

يتذاكى بعضهم فيدَّعي أنه لا يثق بعد كل هذا التثبت! وهذا بالطبع مِن قبيل العناد والمكابرة، ومع هذا نقول لهم: ثمة طريقة أخرى لحصول هذا الاطمئنان، وهو الثقة في وعد الله بحفظ السنة؛ فإذا أخبرنا الله بحفظ السنة ثم وجدنا أن الله وفَّق الأمة للقبول بمجموعة مِن القواعد في التثبت فيها، علمنا أن هذا هو الحفظ الذي وعد الله به، وهذا الوعد نستفيده من قوله -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)، مع بيانه أن السنة مِن جملة الذكر في قوله -تعالى-: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل:44)، وقوله -تعالى-: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم:3-4).

6- السنة خطاب لكل الأجيال كما أن القرآن خطاب لكل الأجيال:

نسأل هؤلاء: هل تؤمنون بأن القرآن خطاب لجميع الأجيال؟ أم أنه خاص بجيل الصحابة فقط؟!

فمَن قال إنه خاص بجيل الصحابة فقط؛ فلا حاجة لاستكمال الحوار معه.

وأما مَن قال بأن القرآن خطاب لجميع الأجيال؛ فنقول له: يلزمك أيضًا أن تُقِرَّ بأن السنة خطاب لجميع الأجيال؛ لأن القرآن خاطب بها قارئ القرآن، فقال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر:7)، وغيرها من الآيات.

وهذا يلزم منه أن تبقى السنة محفوظة لجميع الأجيال.

7- والقرآن أيضًا فيه متشابه:

يُحاول البعض أن يأتي بأحاديث من السنة فيها نوع من الالتباس أو الغموض؛ ليدلل بذلك على أن التصرُّف الأمثل في ذلك أن نلقي السنة كلها وراءنا ظهيرًا -والعياذ بالله-.

والسؤال: إن القرآن قد أثبت وجود آياتٍ متشابهات، فهل ستُلقون القرآن أيضًا وراءكم ظهيرًا؟!

ومِن المعلوم أن مَن قال: "نعم"؛ فلا حاجة إلى استكمال الحوار معه، وأما مَن قال: "لا"، سأرد المتشابه إلى المحكم كما قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ) (آل عمران:7) - قيل له: وهكذا في السنة فافعل.

8- (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا) وعلم تأويل مختلف الحديث:

مِن الأمثلة التي تبين أنه قد تَرد نصوص ظاهرها التعارض ثم يفسَّر كل منها على ضوء البعض الآخر: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا). فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟!

وهذا يدل على إدراكهم للتعارض الظاهري، وعلى أنهم سألوا عن التفسير الذي تجتمع به النصوص، فكان جواب النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ) (متفق عليه).

وهذا الحديث أصل في تأويل مختلف الحديث، وتأويل متشابه القرآن، وكيف يُمكن إعمال جميع النصوص، وعلى منواله نسج العلماء؛ فأين مُنكري السنة مِن هذا البناء الشامخ؟!

9- إلى منكري السنة، لماذا لا تسمون لنا مراجعكم؟!

إن تعجب؛ فاعجب لرجل يزعم أنه بَحث وطالعَ، ونقد وفحص، وتأنى ونظر، ثم لا يُسمِّي مرجعًا واحدًا، ويعزو كل كلامه إلى بنات أفكاره!

ولو سألت الواحد منهم: عن حديث مِن الأحاديث التي ينتقدونها على "البخاري" مثلاً في أي باب رواها، وكيف وقفوا عليها وأدركوا خطأها، هل كانوا في معهد علمي يدرسون "البخاري" فدوَّن كل منهم ملاحظاته على "البخاري" أم أنه أخذ البخاري ففتحه من باب ضرب الودع، فوقعت عيناه على حديث لم يروقه أم ماذا؟!

والجواب: أن هؤلاء لا يُسمُّون مراجعهم؛ لأنهم ينقلون عن سلف لهم اسمه أبو رية، وهو بدوره ينقل عن المستشرقين، الذين بدورهم ينقلون عن الشيعة والزنادقة، أو ينقلون عن أئمة السنة الذين ردُّوا عليهم، فينقلون الشبهة ويكتمون الرد.

والسؤال أيضًا: هل يُدرك هؤلاء أن شبهاتهم قديمة، وأن الردود عليها متوفرة أم لا؟!

فإن كنتَ لا تدري فـتـلك مصيبة          وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

10- إلى منكري السنة... أين بناؤكم؟!

فلنتنزَّل مع هؤلاء، ولندعي أننا -فرضًا- قد اقتنعنا بأن كتب السنة -البخاري فما دونه- مكذوبة، وكتب الفقه والتفسير يهودية! إلى آخر هذا الهُرَاء، والآن وقد استسلمنا لهم، نُريد منهم أن يُعلمونا ديننا بعد أن وثقنا فيهم؛ كيف نُصلِّي؟ وكيف نصوم؟ وكيف نحج؟ وكيف... وكيف... وكيف... ؟

والقرآن "كتاب الهداية" مَن منكم يفسره لنا لنهتدي أم نقرؤه كالأعاجم؟!

وهل تعرفون حتى اللغة حتى تكون هي أداتكم الوحيدة للتفسير؟! وهل تدرون أن آفة جماعات التكفير كانت هي تفسيرهم للقرآن باللغة وحدها دون السنة ودون تفسير السلف؟!

وماذا تعرفون عن تاريخنا؟ ولماذا تنقلون لنا تاريخًا مُشوَّهًا بروايات متهالكة ليس لها سند أصلاً لا صحيح ولا ضعيف، في حين أنكم تنكرون ما ثبت بالسند الصحيح؟!

- عشرات الأسئلة ليس لها إلا إجابة واحدة... هؤلاء لا يعرفون إلا الهدم، ولا همَّ لهم في البناء بحال من الأحوال.

11- كتابات قديمة في الدفاع عن السنة:

1- الرسالة، للإمام الشافعي.

2- جماع العلم، للشافعي.

3- مختلف الحديث، للإمام ابن قتيبة.

4- مشكل الآثار، للطحاوي.

5- كتب ابن تيمية وابن القيم.

6- مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة، للسيوطي.

7- الروض الباسم في الذبِّ عن سنة أبي القاسم، لابن الوزير الصنعاني.

12- كتابات معاصرة في الدفاع عن السنة:

1- منزلة السنة في الإسلام، وبيان أنها لا استغناء عنها في الأحكام، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني.

2- الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام، للشيخ ناصر الدين الألباني.

3 - وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة، للشيخ ناصر الدين الألباني .

4- دفاع عن السنة ورد شُبَه المستشرقين والكُتَّاب المعاصرين، للدكتور محمد بن محمد أبو شهبة.

5- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، للدكتور مصطفى السباعي.

6- حُجِّيَّة السنة، للدكتور عبد الغني عبد الخالق.

7- كتابات أعداء الإسلام مناقشتها والرد عليها، للدكتور عماد السيد الشربيني.

8- شبهات حول السنة، للعلامة عبد الرزاق عفيفي.

9- الأنوار الكاشفة، للعلامة عبد الرحمن المعلمي.

10- كتاب الأضواء السنية، للشيخ عمر الأشقر.