الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 20 مايو 2009 - 25 جمادى الأولى 1430هـ

المتاجرة بالمرأة

كتبه/ ياسر عبد التواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمسكينة تلك المرأة تتنازعها أهواء متباينة، وتتناوشها أفكار مختلفة، الكل يدعي العناية بها ورعاية شئونها، الكل يتزلف لها وبها، الكل يتاجر فيها ويتاجر في قضاياها.

بعضهم صادقون بلا شك حتى من الذين ضلوا الطريق السوي!

لكن ليس صدق النية وحده ولا طيبة القلب وحدها بكافيين لترشد الأعمال، بل لابد من اكتمال المنهج وسلامته، وإلا فكثيرة هي أعمال البشر التي كانت نياتهم فيها حسنة؛ بينما أفضى ذلك إلى الويلات والخراب.

فهل مَن اخترع المفاعل النووي كان يخطر بباله أن يُستخدم تلك الاستخدامات التي أفنت وشوهت؟

وهل اطلع أصحاب الأفكار الشيوعية والاشتراكية والفلسفات الرأسمالية على الأضرار التي خلفتها أفكارهم على البشرية؟

لاعتمادهم العقل وحده والنية وحدها ميزانًا للأمور دون الاتكاء على منهج سوي يستقون منه ما ينفعهم ويرشد طريقهم.

وقديمًا قالها القرآن في الذين ادعوا الإصلاح دون منهج، بل غرتهم نياتهم الحسنة فأعرضوا عن منهج الله -تعالى- بدعوى أنهم على هدى، فلما دعاهم الله إليه وإلى ترك ما سواه وبيَّن لهم فساد حلهم في بعدهم عن منهجه قالوا: إنما نحن مصلحون، فردَّ الله -تعالى- عليهم بقوله: فرد الله -تعالى- عليهم بقوله: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (البقرة:12).

وقضية المرأة كذلك من ضمن القضايا التي للجميع فيها باع وأحاديث وآراء وكلام وتفاصيل، لكنها -كما لغيرها- لابد لها من ضوابط، ولابد لنا من معرفة الغث من السمين.

إن ما يهمنا هنا هو المرأة في مجتمعاتنا، والحق أننا في هذه المرحلة من تاريخنا نعاني في منطقتنا العربية من عدم القدرة على الاستفادة من تجاربنا نفسها!

لقد مرت "مصر" -على سبيل المثال- بكل ما تمر به المرأة في "الخليج" -مثلاً- من محاولات تمرد على وضعها ومن تحويل قضيتها إلى صراع مع الرجل، وإلى اختزال حريتها في حرية الانحراف والتمرد على الدين، ولكن هل استفادت المرأة هنا مما مر بأختها هناك؟ والتي استبانت زيف تلك الدعوى فعادت الكثيرات إلى حصنهن الأول وإلى فكرهن الأصيل.

لا تزال نفس شبهات التقدم ودعاوى الانفتاح وأوهام سقوط الحواجز تجذب بعض الأغرار في سباق زادته خسة التجارب المتعلقة بالإنترنت والفضائيات وما تقدمه من تهوين للعري وتورية بالإباحية في الفن والفيديو كليب، بل وفي البرامج الحوارية التي صارت تناقش أمورًا مثل ممارسة الجنس قبل الزواج، وماذا عن مصارحة الطرف الآخر بذلك؟ وعن عادات محرجة؟ وعن المثليين؟ وعن غشاء البكارة؟... إلخ.

وكأن الأمر ليس فيه حلال وحرام، وليس فيه حقوق، ولا حدود شرعية لرب العالمين، ولا كرامة لأسرة كريمة، ولا لامرأة عفيفة يريدون أن يطرحوها فريسة لشرَك التقليد للغرب والانبهار به.

المثير للسخرية أن يتهم الإسلام بأنه يؤذي المرأة وهو الذي أعاد لها كرامتها وحافظ عليها أمًّا وزوجة وبنتًا، وأوصى بها، وجعل الرجل مأمورًا ببرها والنفقة عليها ومراعاة حوائجها، وأعدها عن الفتن والأذى الذي وقعوا فيه، بينما الغرب نفسه يعاني أسريًّا ومجتمعيًّا من ذلك الانحراف الذي يبشر به بعض بني جلدتنا.

فكم من الجرائم هناك المادية والمعنوية التي تُؤذى فيها المرأة، بينما أهلنا هنا غافلون؟!

كم تهمل النساء العجائز؟ وكم تهان الدميمات؟ وكم تستخدم الجميلات كسلعة للترويج للبضائع؟!

ثم بعد ذلك يتبجحون وبكل وقاحة؛ ليزعموا أنهم من المدافعين عن المرأة وحقوقها، بل ويجعلون همهم الأكبر عند احتلال الشعوب هو: إفساد المرأة ودعوتها إلى الإباحية والعري! وأيضًا تحت دعوى إصلاح شأنها! وكأنها تعيش بين وحوش!

وهم واهمون كمن ذكرناهم سابقـًا يحسبون أنهم مهتدون؛ قال -تعالى-: (وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (لأعراف:30)، وقال -تعالى-: (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (الزخرف:37).

وتحت شعارات مضللة ومزيفة عن حرية المرأة والحفاظ على حقوقها تعقد "الأمم المتحدة" مؤتمراتها الدولية منذ عام 1975م وحتى اليوم؛ لتؤكد هذه المعاني الفاسدة الكفيلة بالقضاء على الأسرة في وثائقها، ورغم أن الشعوب المسلمة والعديد من الحكومات في العالم الإسلامي والكثير من المنظمات الغربية وحتى الفاتيكان قد أعلنوا رفضهم لما جاء في هذه الوثائق، وأكدوا خطورتها على المجتمعات الإنسانية وما يزالون يؤكدون ذلك، إلا أن تلك المنظمات الشيطانية التي تمتطي "الأمم المتحدة" لتحقيق مشروعها؛ لتدمير الفرد والأسرة والمجتمع لا تكف عن مواصلة مساعيها لذلك، ولم تتوقف عن عقد تلك المؤتمرات الدولية المشبوهة التي صارت أشبه بتقليد سنوي تفرضه "الأمم المتحدة" على العالم؛ لتشغله بما يسمى زورًا وبهتانًا بـ"حقوق المرأة".

والغريب أن الأمم المتحدة تهمل معظم قضايا المرأة والطفل التي تهدد حياتهما ومستقبلهما وأوضاعهما المأساوية في عالم الحروب والكوارث والنكبات والشتات، وتتجاهل محن أكثر من مائة مليون سيدة وفتاة يفترسهن الحرمان من الرعاية الغذائية، وأكثر من مليون فتاة تتم المتاجرة بهن في الدعارة.

ولننظر في شهادة شاهد من أهلها في تقرير صادر عن القنصلية الأمريكية العامة في "القدس" ومنشور على موقعها على الإنترنت يتحدث التقرير -وهو بتاريخ "22/2/2005"- عن بعض أوضاع حقوق الإنسان عند اليهود، وسنجتزء منه ما يتعلق بحقوق المرأة وكيف أنهم أهانوها ومارسوا العنف ضدها والتي منها:

"واستمر وجود التمييز ضد المرأة والعنف الذي تتعرض له من المجتمع، مع أن الحكومة استمرت في معالجة هذه المشاكل، ومشاكل المتاجرة بالمرأة والعمال الأجانب وإساءة معاملتهم لا تزال قائمة، واستمر التمييز ضد المعوقين...". اهـ. وما يحدث في أوروبا وأمريكا ليس ببعيد عن هذا؟!

كما تكرس "الأمم المتحدة" جل اهتمامها عبر ما يقرب من ثلاثين عامًا لتقنين حرية المرأة الإباحية، وحريتها في الخروج على الأسرة، وتدمير المجتمعات تحت مزاعم وشعارات كاذبة، الأمر الذي يفضح رسالة تلك المؤتمرات، ويؤكد أن منظمات الهوس الفكري والشذوذ الجنسي الغربية قد فرضت سطوتها على المنظمة الدولية.

وللأسف الشديد فإن تلك الدعاوى التي تروج لها تلك المؤتمرات تجد لها صدى في عدد من البلاد الإسلامية عبر المنظمات المعنية بشئون المرأة، خداعًا للجماهير ومحاولة لتضليل المخدوعين، وبين الحين والآخر تخرج علينا مجموعات ما تسمى بحقوق المرأة وحريتها بآراء وكتابات وتصريحات تصب في مجملها وفحواها في التخديم على ما تروج له مؤتمرات الأمم المتحدة عن المرأة، والتي هي محل رفض من الشعوب المسلمة، وتتترس هذه المجموعات خلف المنظمة الدولية. فالأمر ليس جنة، بل نارًا وعارًا وضياعًا وشنارًا.

لقد أصبح من ضغط الواقع على الأمة أن يتم إقحام موضوع المرأة في جميع الأمور، وكأننا ندفع تهمة عن أنفسنا بأن المرأة عندنا مظلومة مضطهدة؛ ومن ثم نحرص في كل الأحوال على التأكيد على عدم اضطهادها وأنها تأخذ حقها كاملاً إلى غير ذلك.

ومن ثم تجد تصرفات ساذجة في التعامل مع الموضوع مثل إقحام المرأة فيما قد لا تكون أهلاً له من الوزارات والمسئوليات وفقًا للتدرج الوظيفي والعلمي!

فقد تسند مهمة ما أو منصب لامرأة ما في الوقت الذي لو رشح رجل لنفس المنصب لما تم اختياره له أبدًا لأنه ليس له أهلاً!

فالأمر ليس استجابة لواقع المجتمع، وليس منحًا للمرأة فرصة تتناسب مع مؤهلاتها، وليس درءًا لاضطهاد وقع على المرأة؛ بل هو رضوخ لشبهات الأعداء ودفاع عن تهمة لا تعشش إلا في أذهان قائليها.

وإلا فأي جديد في الأمر من ناحية العدل أن يتم فرض بعض النساء بدون مواهب على بعض الأماكن دون استحقاقهن لذلك؟

لابد من أن نتعامل مع الموضوع بموضوعية وثقة، فإن وجد مكان يصلح للمرأة وتصلح له فما المانع من توليتها إياه؟! أما أن تكون لا تصلح له فمن الظلم للمجتمع -ولها أيضًا- أن يسند لها.

فمحاولة اتخاذ موضوع المرأة وادعاء إنصافها تكئة لقلب الأمور، وإشاعة الفوضى في المجتمعات؛ استجابة لضغوط الواقع أو مجاملة للغرب هو نوع من المتاجرة بالمرأة، وهو من صور الفساد الذي تسعى الدول إلى التخلص منه ومن آثاره.

ولأننا ننسى فإن موضوع المرأة واضطهادها هو دومًا أحد التهم الجاهزة ضدنا لدى الغرب بكافة أطيافه الفكرية والسياسية والاجتماعية، كأنهم يزعجهم شرف المرأة لدينا والتزامها بقيم الإسلام، وارتدائها لحجابها، واعتزازها بأسرتها.

في الوقت الذي تدعو قلة من عقلائهم إلى العودة إلى قيم الشرف والطهر والترفع عن مستنقعات الفحش والهوى والرذائل التي وقعوا فيه.

الغريب أنهم في الوقت الذي يزعجهم وضعية المرأة في بلادنا وحجابها على رأسها فإنهم لا يعبئون بكون المرأة إن أرادت التدين والتفرغ للكنيسة عندهم ترتدي ملابس هي شبيهة إلى حد كبير بالحجاب!

حتى إنني رأيت بعضهن من ظهورهن في "إسبانيا" فظننتهن خليجيَّات بسبب أنهن يرتدين عباءات رأس تغطي المرأة من أعلاها لأسفلها فلا تشك أنهن مسلمات؛ لولا أنهن يرتدين الصليب!

ومن المشكلات الدينية لديهم هناك أنهم يمنعون من كانت حالها كما وصفت من الزواج بدعوى الرهبنة، وهذا نوع آخر من المتاجرة بالمرأة بمنعها من حقوقها -وإن كان يشاركها فيه الرجال المنخرطون في سلك الترهب أيضًا-، وهذه لعمري سوءة كبيرة في هذه الحضارة؛ لكونها تمنع الزواج الذي هو فطرة الإنسان.

ففي الوقت الذي لا ينزهون الله -تعالى- عن الصاحبة والولد فيدعون له ذلك -عياذًا بالله-، وفي الوقت الذي تدون في كتبهم المسماة بالمقدسة ممارسات فاجرة ينسبونها إلى الأنبياء، فإنهم يأنفون عن الزواج وعن تزويج المتدينين أولئك، ولذا؛ فاحت روائح الانحراف وتناثرت أنباء الفجور.

يقول الدكتور محمد بن سعد الشويعر: "في عام 1985م انبرت صحفية أمريكية لمهاجمة "التوراة" و"الإنجيل" ورجال الدين عندهم، واتهمت الجميع بنكران حق المرأة، حيث لم يأتِ لها ذكر في "الأناجيل" ولا "العهد القديم بينما الإسلام أعطاها مكانة رفيعة، فخاطبها إلى جانب الرجل، وجعلها جوهرة مصونة وبين لها حقوقًا انفردت بها بالخصوصية ومع الرجل فيما يشتركان فيه، واستدلت ببعض الآيات مثل: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب:35)".

ويحكي الدكتور الشويعر عن طبيب درس في مدينة "كُلُنْ" بألمانيا منذ سنوات، وتزوج زميلته في الجامعة، ثم عزم على السفر إلى بلاده؛ لأن أمه مريضة، فأصرت زوجته على مرافقته، وذهلت الزوجة من هذا الاهتمام الذي أبداه أبناء الأسرة بأمهم وبالعناية الشديدة التي عوملت بها العجوز المريضة، وفي طائرة العودة لم تستطع كتمان شعورها، فقالت لزوجها: لماذا لم تخبرني عن مكانتكَ الاجتماعية، فهل أمك من الأسرة المالكة ؟ فقال: لا هذا ولا هذا، وما الذي دعاكِ إلى هذا الحكم؟ قالت: المكانة الكبيرة التي تحتلها أمك بين الناس تقديرًا وإكرامًا وحفاوة.

فقال: أنا وأمي وأسرتنا من وسط المجتمع، ولكن هذه تعاليم الإسلام الذي هو ديننا، بل إن حقها الذي يحث عليه ديننا أكبر من ذلك.

وبدأ يشرح ويترجم لها فأسلمت وصارت في المناسبات تردد: الأم في مجتمع المسلمين ملكة غير متوجة، بل أسعد من ملكات الغرب.

فهل نعي الدرس ونبتعد عن تسييس وضع المرأة ونكف عن الاتجار بها؟