الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 01 مارس 2009 - 4 ربيع الأول 1430هـ

في ظلال كتاب الإسلام والحضارة الغربية

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

التعريف بالمؤلف:

هو الدكتور محمد محمد حسين -رحمه الله-، ولد في سوهاج إحدى مدن صعيد مصر سنـ1912ـة م، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي فيها باستثناء السنة الأولى الثانوية التي التحق فيها بمدرسة أسيوط الثانوية؛ لأنها كانت المدرسة الثانوية الوحيدة في صعيد مصر وقتذاك.

حصل على الليسانس سنـ1937ـة من قسم اللغة العربية في الجامعة المصرية -كذا كان اسمها وقتذاك؛ لأنها كانت الجامعة الوحيدة في مصر والبلاد العربية-، وعين معيدا في الكلية في السنة نفسها، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه، وانتدب للتدريس في كلية الآداب بالإسكندرية سنـ1940ـة، وتدرج في وظائف التدريس إلى أن شغل كرسي الأستاذية سنـ1954ـة، وأعير إلى الجامعة الليبية وجامعة بيروت العربية، ثم تعاقد مع جامعة بيروت بعد بلوغه سن التقاعد سنـ1972ـة، وظل بها إلى أن تعاقد مع جامعة محمد بن سعود الإسلامية سنـ1976ـة.

عاش الدكتور محمد حسين في زمن سماه أصحابه بزمن النهضة الأدبية الحديثة، وكان في الساحة الأدبية والفكرية اتجاهان: اتجاه أصيل محافظ، يحافظ على دينه وتراث أمته وينطلق من خلاله.

واتجاه آخر يتأثر بالغرب معجب بكل ما عنده، داعيا أمم الشرق -وبخاصة البلاد العربية- إلى أن تكون مثل أوروبا في كل شيء، وكان من أعلام هذا الاتجاه في ذلك الزمان "طه حسين" الذي كان أستاذا للدكتور محمد حسين، وتأثر محمد حسين بهذا الاتجاه وكان من أنصاره، وظهر ذلك في رسالته للدكتوراه التي كانت بعنوان: "الهجاء والهجاؤون"، إلى أن منَّ الله عليه، وفتح بصيرته، وأنار قلبه؛ فتبين له زيف هذا الاتجاه واعوجاجه فتركه، وسلك المسلك الآخر الأصيل المنبثق من دينه وتراث أمته، فصار يدعو للفضيلة، ويوضح معالم الخير، ويفضح خطط الباطل، ودعاة الشر والتغريب، ويرد على مكائدهم وأباطيلهم.

أهم مؤلفاته:

1- الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، وهو الكتاب القيم الماتع.

2- حصوننا مهددة من داخلها.

3- أزمة العصر.

4- مقالات في الأدب واللغة.

5- الإسلام والحضارة الغربية -وهو موضوع المقال-، وغيرها كثير.

وفاته:

توفي -رحمه الله- سنـ1402ـة هـ الموافق سنـ1982ـة م، حيث بلغ من العمر سبعين سنة، وقد شهد له معاصروه بالصدق، والأمانة، وكرم النفس، وأصالة الطبع، ولطيف المعشر، ومحاسن الأخلاق.

الكتاب:

يقع الكتاب في ثلاثمائة وستة عشر صفحة بما فيها المقدمات والفهارس في طبعته التاسعة لدار الرسالة، ويشمل مقدمة وتسعة فصول، وقد ضم إليه المؤلف في هذه الطبعة ثلاثة فصول من كتاب: "حصوننا مهددة من داخلها" -وهي الفصل الرابع، والخامس، والسادس-؛ لرؤيته أنها متممة لموضوع هذا الكتاب.

وموضوع الكتاب كما يقول مؤلفه هو هذه الحلقة الأخيرة من صلات الشرق والغرب التي جرَت أحداثها خلال القرنين الأخيرين -التاسع عشر، والعشرين- في جانبها الثقافي وفي أثرها في الإسلام(1) بصفة خاصة.

في الفصل الأول: بدأ بالحديث عن الصراع بين الدول الغربية وروسيا من جانب، والخلافة العثمانية من الجانب الآخر، وكان ذلك في مختتم القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، حيث كان عصر النهضة في أوروبا قد آتى ثماره في كل قطاعات الحياة، مع تخلف المسلمين عن دينهم وعن ركب التقدم والحضارة أيضا!!

وما نجم عن هذا الصراع من إحساس دولة الخلافة والبلاد العربية من ضرورة اللحاق بركب التقدم والحضارة، فجرت محاولات لذلك، كان منها البعثات إلى الدول الأوروبية لنقل العلوم الحربية، وما يحتاجه المسلمون مما يتعلق بها، ومدى تأثر هؤلاء المبعوثين بالحياة الأوروبية، ثم تأثير هؤلاء في المجتمعات الإسلامية والعربية بعد ذلك، وأثر هذا التأثر والتأثير على المجتمعات الإسلامية والحياة الثقافية في هذه البلاد، واختار لذلك مثالين: "رفاعة الطهطاوي" من مصر، و"خير الدين التونسي" من تونس، وبيـَّن بجلاء ووضوح حقيقية هؤلاء وآثار دعوتهم على الأمة.

وفي الفصل الثاني (التغريب): تكلم عن استفحال الاستعمار الغربي، وتسلطه على أكثر البلاد الإسلامية، وحلقة جديدة من الصراع بين الإسلام وهذه القوى الصليبية، وكيف حاول الاستعمار نشر حضارته بتفتيت وحدة العالم الإسلامي وإزالة كل الحواجز التي تهدد مصالحه، وطرق الاحتلال الصليبي وبرامجه في ذلك.

وتكلم فيه عن دور نصارى الشام في ذلك، والزعامات الإسلامية التي أنشأها الغرب لتقود الأمة وتخدم مصالحه، ومحاولات تطوير الإسلام لكي يوافق الحياة العصرية المستمدة من الحضارة الغربية، ومحاولات تثبيت مفهوم التقدم الحضاري الذي يصدِّره لنا الغرب، وهو الدعوة إلى قيام التقدم الحضاري على العلوم العصرية وليس الدينية، والهدف الخفي من وراء ذلك؛ وهو مصارعة الاتجاه الإسلامي المحافظ، ومحاولة تنحية الإسلام عن الحياة.

وأفرد المؤلف الفصل الثالث: لـ"جمال الدين الأفغاني"، وحقيقة دعوته، ودوره الخطير في ذلك الوقت، وأنه "إيراني شيعي" وليس "أفغانيا سنيا"، وصلته بـ"الماسونية"، وما تزعمه الأفغاني بما سماه حركة الإصلاح الديني، وكذلك تعرض لدور تلميذه "محمد عبده"، وختم هذا الفصل بشهادة معاصري محمد عبده فيه.

ومن الفصل الرابع إلى التاسع: كان الحديث عن التغريب في دراسات المستشرقين، وآثار ذلك في العالم الإسلامي، واهتمام المستشرقين بالدراسات الإسلامية القديمة والحديثة، ومحاولات تقريب الفكر الإسلامي من الفكر الغربي، وتفتيت الوحدة الإسلامية، وتنحية الإسلام عن الحياة، ففي الفصل الرابع قدم دراسة لمؤتمر الشرق الأدنى الذي دار البحث فيه حول تطور الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية، والذي عقد في جامعة "برنستون" سنـ1947ـة في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

وفي الفصل الخامس: تعرض بالدراسة لبحث الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة الذي أنتجه مؤتمر عقده أيضا في جامعة "برنستون" سنـ1953ـة، وحضره عدد من أعيان المسلمين مع قساوسة يحترفون التبشير، مع مستشارين في وزارة الخارجية الأمريكية الخاضعين لتوجيهاتها السياسية.

وفي الفصل السادس: دراسة لكتاب: "الإسلام في العصر الحديث" لمؤلفه: "ولفرد كانتويل سميث"، وهذا الكتاب يهدف إلى تفتيت الإسلام عن طريق تطويره، وإفقاد الإسلام لطابعه وتميزه وأصوله التي تحول دون إرساء دعائم الاستعمار وتثبيت أقدامه، وكأن الكتاب يحاول الإجابة عن السؤال: ما هو الطريق الذي سوف يسلكه المسلمون في تطور الإسلام الذي هم مقبلون عليه؟ وصال المؤلف وجال في التحذير من الكتاب، وبيان خطورته، والرد على الأفكار التي تبناها، هذه الأفكار التي في حقيقتها ليست أفكار فردية لأشخاص بعينهم؛ وإنما توجهات لدول ومؤسسات تعمل على محو الإسلام من حياة المسلمين بأي طريقة.

وفي الفصل السابع: كان الحديث عن الإسلام والعالمية، ومعنى مصطلح العالمية وتطبيقاته، والعالمية في الإسلام، وأن الإسلام دين عالمي موجه إلى أهل الأرض جميعا مع شمول رسالته وعمومها، وتحدث عن ذلك مع مقارنة ذلك باليهودية والحضارة الغربية الحديثة، مبينا الفارق الهائل بين الإسلام وغيره.

وفي الفصل الثامن: تحدث عن القومية العربية ونشأتها، والدعوة إليها وأصحابها، وحكم هذه الدعوة في ميزان الإسلام.

وفي الفصل التاسع والأخير: تحدث عن القومية العربية والأدب العربي، وتعرض المؤلف في هذا الفصل إلى موضوعين خطيرين وهما: إحياء العصبيات المحلية، والاهتمام بالتاريخ القديم -تاريخ ما قبل الإسلام-.

فدونك هذا الكتاب، فاجن ثماره اليانعة، وانهل من معينه الصافي.

وصلِ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كان الأفضل أن يقول وأثرها في المسلمين؛ لأن الإسلام كدين لا يتأثر بهذا أو بغيره.