الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 - 6 جمادى الأولى 1447هـ

أثر العربية في نهضة الأمة (12)

كتبه/ ساري مراجع الصنقري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فنُهيب بمتخذي القرار والسُّلطات المسؤولة عن التعليم في بلادنا العربية أن يضاعفوا جهودهم للنهوض بالعربية على أوسع نطاق، إن كانت أُمَّتُنا جادّةً في أن تستعيد العربية مكانتها الطبيعية بين اللغات العالمية الكبيرة.

قال د. إبراهيم مدكور (1902م - 1995م): "لِلُّغة قَداسةٌ تستمدّها من وحي السماء، أو من إجماع أهل الأرض، ومن أسباب قداستها أن تصبح لغة التقرّب والعبادة، أو ينزل بها كتابٌ سماويٌّ يهبها من قداسته، ويُضفي عليها من جلاله.

ولا شكّ في أنّها ظاهرةٌ تحظى بما تحظى به الظواهر الاجتماعية الأخرى من سلطان، وتنال ما تناله من اعتدادٍ وكرامة، وهي في مقدمة مقومات الأمم والشعوب.

ولقد اعتمدت العربية على هذين المصدرين، فهي لغة الدِّين والدنيا، والعبادة والسياسة، بها أُنزل القرآنُ وبها حُفظ، ونشأت حوله دراساتٌ لُغويّةٌ متنوعة. وهناك طقوسٌ دينيّةٌ لا بدّ للمسلم أن يستخدم فيها ألفاظًا وجملًا عربيّةً، كيفما كانت لغته الوطنية.

ويومَ أن أخذ العربُ في بسط نفوذهم انتشرت العربية معهم، فكانت تُدرس في أصبهان وشيراز، كما كانت تُدرس في دمشق وبغداد. وظهر كُتّاب وشعراء بالعربية في قرطبة والحمراء، كما ظهروا في القاهرة والقيروان. وأضحت لُغةَ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، من أواسط الهند شرقًا إلى جبل طارق غربًا، ومن البحر الأسود شمالًا إلى المحيط الأطلسي جنوبًا. وكانت لُغةً عالميّةً قبل أن يعرض المحدثون لفكرة اللغة العالمية، ويحدّدوا معالمها" (انتهى).

وليس من المقبول ولا من المعقول أن نكون سببًا في إضعاف قدر لغتنا بين اللغات؛ لأننا بذلك سنُعطي النقص الحضاري للأمم الأخرى ميزةً للارتفاع درجةً، وهذا ما لا يُقِرُّهُ العقل ولا الدِّين.

وإنّه لذو حظٍّ عظيمٍ مَن استعمله الله في العمل على أن تستعيد الفصحى ريادتها، وتتبوّأ مكانتها الجليلة بين اللغات العالمية الكبيرة.

وإلى لقاءٍ آخَر -بمشيئة الله-.

والله المستعان، وعليه التُّكْلان.