كتبه/ ياسر عبد التواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فمن الكبائر الادعاء على الناس، ولا سيما أهل الإيمان بما هم منه براء، مثل: أن تكذب عليهم بما يوجب حداً غير القذف، فإذا كذبت على مؤمن بأنه قاتل، وهو ليس كذلك، وأنه سارق وليس كذلك، وأنه خائن وليس كذلك، فلا شك أن هذا كله من الفرى، وأنت محاسب على ذلك بين يدي الله -تبارك وتعالى-.
أما إذا لم يوجب حداً وكان نوعاً من الفرية فهو كبيرة من الكبائر، والدليل على ذلك أن الغيبة يعدها بعض العلماء كبيرة علماً أنها صدق، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) أخرجه مسلم.
وأما الكذب فهو بهتان، وهو أكبر من هذا، وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً) وقالت: لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها).
فإذا كانت الغيبة وهي صدق من الكبائر حيث قال -تعالى-: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)(الحجرات:12) فذمها ذماً شديداً، فكيف بالبهتان إذن...؟
لا شك أنه من أكبر الكبائرقال -تعالى-: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (النساء:112).
فالبهتان إذن من الكذب، وهو يسبب الأذى للناس، فيأخذ الكذاب وزر الأذى مع الكذب، ويستجلب غضب الله -تعالى- عليه ويستحق عقابه بسبب ذلك الكذب قال -تعالى-: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً)(النساء:156).
فقد آذى اليهود مريم -عليها السلام- فرموها كذباً بالزنا، فذكر الله -تعالى- ذلك في مبررات كفرهم... غضباً للطاهرة العفيفة، وكان يمكن أن يكتفي بالإشارة إلى مكنون صدورهم من الكفر والبعد عن الله وتنكب شريعته، فانظر كيف يغضب الله -تعالى- لأوليائه... فاحذر من الكذب والبهتان!
وكيف لو دعا عليه المظلوم... فإنه يستعدي الله -تعالى- عليه لنصرته، وسيقول الله -تعالى- للمظلوم وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58)