كتبه/ ياسر عبد التواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فمن الأخلاق التي ينبغي أن نسعى في تغييرها ترك كثرة الكلام، وهو يختلف عن الآفة التي حذرتك منها سابقاً -الكلام فيما لا يعني- في أن فضول الكلام لا يتضمن السؤال كما أنه يتضمن كثرة الترديد والقيل والقال، وهي شهوة بشرية كثيراً ما ساقت الناس إلى المعاصي والغيبة أو المبالغة والكذب، وكل ذلك يجب أن نتدرب على تركه في رمضان.
ورد عن بعض السلف أنه قال: إن الرجل ليكلمني بالكلام لَجوابُهُ أشهى إلي من الماء البارد إلى الظمآن فأترك جوابه خيفة أن يكون فضولاً.
وقال مطرف: ليعظم جلال الله في قلوبكم فلا تذكروه عند مثل قول أحدكم للكلب والحمال: اللهم اخزه وما أشبه ذلك.
قال الله عز وجل: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)(النساء:114).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه وأنفق الفضل من ماله) ذكره العراقي في تخريج إحياء علوم الدين، وقال ابن عبد البر عنه: حديث حسن.
فانظر كيف قلب الناس الأمر في ذلك، فأمسكوا فضل المال، وأطلقوا فضل اللسان؟!
وعن مطرف بن عبد الله عن أبيه قال: قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رهط من بني عامر فقالوا: أنت والدنا وأنت سيدنا وأنت أفضلنا علينا فضلاً، وأنت أطولنا علينا طولاً، وأنت الجفنة الغراء وأنت.. وأنت..، فقال: (قولوا قولكم ولا يستهوينكم الشيطان) قال العراقي في الإحياء : خرجه أبو داود والنسائي في اليوم والليلة بلفظ آخر ورواه ابن أبي الدنيا بلفظ المصنف.
إشارة إلى أن اللسان إذا أطنب بالثناء ولو بالصدق فيخشى أن يستهويه الشيطان إلى الزيادة المستغنى عنها.
قال ابن القيم -رحمه الله- في تفسيره لسورة الناس:
فضول الكلام تفتح للعبد أبواباً من الشر كلها مداخل للشيطان، فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب كلها، وكم من حرب جرتها كلمة واحدة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: (وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم) وفي الترمذي أن رجلاً من الأنصار توفي فقال بعض الصحابة طوبى له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فما يدريك لعله تكلم بما لا يعنيه، أو بخل بما لا ينقصه)، وأكثر المعاصي إنما تولدها من فضول الكلام والنظر، وهما أوسع مداخل الشيطان، فإن جارحتيهما لا يملان ولا يسأمان، بخلاف شهوة البطن، فإنه إذا امتلأ لم يبق فيه إرادة للطعام، وأما العين واللسان فلو تركا لم يفترا من النظر والكلام فجنايتهما متسعة الأطراف كثيرة الشعب، عظيمة الآفات، وكان السلف يحذرون من فضول الكلام، وكانوا يقولون ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان.
وفي جامع العلوم والحكم عند شرح حديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ما مضمونه:
ما ليس بخير من الكلام فالسكوت عنه أفضل من التكلم به اللهم إلا ما تدعو إليه الحاجة مما لابد منه وقد روي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: إياكم وفضول الكلام، بحسب امرئ ما بلغ حاجته؛ وقال: يهلك الناس في فضول المال والكلام. وأيضاً فإن الإكثار من الكلام الذي لا حاجة إليه يوجب قساوة القلب.
وكما روى الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعاً: (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله يقسي القلب، وإن أبعد الناس عن الله القلب القاسي) قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم. قال محقق جامع العلوم: وإبراهيم روى عنه وذكره ابن حبان في الثقات.. إلخ.
وقال عمر: من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به.