الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 05 نوفمبر 2025 - 14 جمادى الأولى 1447هـ

قراءة في القضايا المنهجية للدعوة السلفية (4) فقه الخلاف بين المسلمين (1)

كتبه/ طلعت مرزوق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فيُمثِّل الاختلاف بين الاتجاهات الإسلامية في فهم الإسلام وتطبيقه ووسائل الدعوة ومناهجها وأهدافها وأولويات العمل الإسلامي عائقًا في طريق الصحوة، وهو ما دفع إلى:

- نبذ البعض العملَ الجماعي جملةً للتخلص من خلافات الكيانات الإسلامية، متأولين حديث حذيفة -رضي الله عنه-: (فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا) (متفق عليه)، رغم أن المقصود به أهل البدع الدعاة على أبواب جهنم.

- تهوين البعض شأنَ الخلاف أيًا ما كان نوعه، والعمل على جمع كل من انتسب إلى الإسلام -سنيهم ومبتدعتهم- تحت شعار: "نجتمع فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه"؛ ما أدَّى إلى تقاربهم مع شر أهل البدع المعاصرة كالروافض، في الوقت الذي لم يحظَ رفاقه من أهل السنة بنصيبهم من ذلك، وتطبيق قاعدتهم المسماة ذهبية.

- مفاصلة البعض على قضايا ومسائل وسعها السلف والعلماء على مر العصور، دون نقصان الحب والمودة والأخوة الإيمانية.

وبعد عرض هذه الآراء المتباينة، نشرع في بيان تصور الدعوة لمسألة الخلاف.

الاختلاف أمر قدري كوني، ومنه المذموم المنهي عنه شرعًا:

قال الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (يونس: 19)، وقال: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود: 118-119).

فمَن قال مِن العلماء في تفسير (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) للاختلاف، فهو يعني الأمر القدري الكوني، ومن قال للرحمة، فهو يعني الأمر الشرعي الذي أمروا به. (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103). والواجب علينا اتباع الشرع، والإيمان بالقدر، وليس ترك الشرع والاحتجاج بالقدر، فالاختلاف من قدر الله الذي أُمرنا شرعًا أن نفر منه إلى قدر الله بالائتلاف والاجتماع.

أنواع الاختلاف الواقع بين المسلمين:

النوع الأول: اختلاف التنوع:

وهو ما لا يكون فيه أحد الأقوال مناقضًا للأقوال الأخرى، بل كل الأقوال صحيحة، مثل وجوه القراءات المتواترة، وأنواع التشهدات والأذكار، والواجب المخيَّر مثل كفارة اليمين، وما وقع من الصحابة -رضي الله عنهم- يوم غزوة بني قريظة حين أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ) (رواه البخاري ومسلم).

والكيانات الإسلامية المعاصرة فيها شيء من هذا النوع من الاختلاف، فبعضها يهتم بطلب العلم بأنواعه، أو الدعوة، أو العمل السياسي، أو النقابي.

وهذا التنوع ليس بمذموم، لكن مع تجنب بعض المحاذير، مثل أن يكون هذا الاهتمام سببًا لتركهم الواجبات الأخرى التي تمثِّل الحد الأدنى من الالتزام بالإسلام، أو تحقير الأعمال الأخرى التي لا يهتم بها أحد هذه الكيانات، أو عقد الولاء والبراء على ما يقوم به وتقديمه على أصل الولاء لدين الله ومنهج أهل السنة والجماعة بشموله وتوازنه.

وخلاصة القول في اختلاف التنوع أنه من مقتضيات الرحمة ومظاهرها، ولابد من استثماره لتحقيق التكامل بين المسلمين.