الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 29 سبتمبر 2025 - 7 ربيع الثاني 1447هـ

نصائح وضوابط إصلاحية (61)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمن الأمور التي يجب مراعاتها عند العمل على اكتشاف الطاقات وتوظيفها:

معرفة نقاط الضعف المؤثرة على الأفراد:‏

لكل شخص بحكم بشريته في المؤسسة الإصلاحية نقاط ضعف يجب معرفتها، والعمل على تفادي وضعه في عمل يتأثر بهذا الضعف، مع ضرورة مراعاة المشاعر وتطييب الخواطر، ‏والحرص على عدم التحطيم، وحسن الاستغلال فيما يجيد كبديل مفيد؛ فعن أبي ذر -رضي الله عنه- ‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ ‏لِنَفْسِي؛ لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ) (‏رواه مسلم).‏

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قام بمراعاة نفسية أبي ذر في قوله: (وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ ‏لِنَفْسِي)، ومنعه مِن تولي الإمارة -مع أمانته- لضعفه، ونصحه في ذلك مع ما له من فضل كونه من ‏أوائل مَن أسلم مِن الصحابة، وهو الذي أتي بغفار كلها مسلمة، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- لم ‏يجامله بسبب ذلك في تولي المنصب وصرَّح له بأنه ضعيف مع مراعاة مشاعره، وكأنها صيحة ‏لاحترام التخصصات والقدرات مع استمرار تقدير أهل الفضل، وهي رؤية إسلامية فريدة تبيِّن أن: ‏‏"قيمة الفرد وفضله ومنزلته لا تتحدد ولا تتأثر بالمناصب، وأن اختيار الأفراد للمناصب أمانة يجب ‏أن يبتعد فيها عن المجاملة من أجل الصالح العام للجميع".‏

مراعاة الفروق الفردية:‏

من حكمة الله أن يكون الناس متفاوتون في ملكاتهم وقدراتهم الحسية والمعنوية؛ فبنو إسرائيل ‏لما استغربوا اختيار طالوت عليهم ملكًا أجابهم نبيهم وقتها كما قال -تعالى-: (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 247)، أي: أنه زاد عليهم في قدراتهم ‏الجسمية والعقلية، وذلك محض فضل ومِنَّة واصطفاء من الله -سبحانه وتعالى-؛ فكل إنسان وَهَبَهُ ‏الله شيئًا يتميز به على غيره؛ كما قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأنعام: 165).

وهذا التفاوت من حكمة الله -تعالى- في خلقه لعمارة الأرض واستخلاف البشر فيها، وتحقيق ‏الإصلاح المنشود المتكامل فيها، وقد راعى النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الفروق الفردية أتم رعاية في تكليفاته لأصحابه -رضوان الله عليهم- في المهام المختلفة؛ ففي حديث رؤيا الأذان أن صاحب الرؤيا عبد الله بن زيد ‏-رضي الله عنه- ذهب بخبرها للرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ ‏بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ ‌أَنْدَى ‌صَوْتًا مِنْكَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني‏).‏

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم أن الأذان يحتاج إلى مَن هو ندي الصوت، وهذه ملكة ‏توهب من الله؛ لذلك لم يكلِّف عبد الله بن زيد بالآذان رغم أنه صاحب الرؤيا، وهي كرامة له من ‏بين الصحابة - مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد رأى مثله، بل وجَّهه إلى بلال -رضي الله ‏عنه-؛ كونه أندى منه صوتًا وَفْقًا لقدراته الصوتية التي يفوق فيها غيره، فلم يكن هنا مجال للمحاباة، ‏بل الأمر تعلَّق بمراعاة القدرات المناسبة للمهمة.‏

وللحديث بقية -إن شاء الله-.