نصائح وضوابط إصلاحية (61)
كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمن الأمور التي يجب مراعاتها عند العمل على اكتشاف الطاقات وتوظيفها:
معرفة نقاط الضعف المؤثرة على الأفراد:
لكل شخص بحكم بشريته في المؤسسة الإصلاحية نقاط ضعف يجب معرفتها، والعمل على تفادي وضعه في عمل يتأثر بهذا الضعف، مع ضرورة مراعاة المشاعر وتطييب الخواطر، والحرص على عدم التحطيم، وحسن الاستغلال فيما يجيد كبديل مفيد؛ فعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي؛ لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ) (رواه مسلم).
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قام بمراعاة نفسية أبي ذر في قوله: (وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي)، ومنعه مِن تولي الإمارة -مع أمانته- لضعفه، ونصحه في ذلك مع ما له من فضل كونه من أوائل مَن أسلم مِن الصحابة، وهو الذي أتي بغفار كلها مسلمة، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- لم يجامله بسبب ذلك في تولي المنصب وصرَّح له بأنه ضعيف مع مراعاة مشاعره، وكأنها صيحة لاحترام التخصصات والقدرات مع استمرار تقدير أهل الفضل، وهي رؤية إسلامية فريدة تبيِّن أن: "قيمة الفرد وفضله ومنزلته لا تتحدد ولا تتأثر بالمناصب، وأن اختيار الأفراد للمناصب أمانة يجب أن يبتعد فيها عن المجاملة من أجل الصالح العام للجميع".
مراعاة الفروق الفردية:
من حكمة الله أن يكون الناس متفاوتون في ملكاتهم وقدراتهم الحسية والمعنوية؛ فبنو إسرائيل لما استغربوا اختيار طالوت عليهم ملكًا أجابهم نبيهم وقتها كما قال -تعالى-: (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 247)، أي: أنه زاد عليهم في قدراتهم الجسمية والعقلية، وذلك محض فضل ومِنَّة واصطفاء من الله -سبحانه وتعالى-؛ فكل إنسان وَهَبَهُ الله شيئًا يتميز به على غيره؛ كما قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأنعام: 165).
وهذا التفاوت من حكمة الله -تعالى- في خلقه لعمارة الأرض واستخلاف البشر فيها، وتحقيق الإصلاح المنشود المتكامل فيها، وقد راعى النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الفروق الفردية أتم رعاية في تكليفاته لأصحابه -رضوان الله عليهم- في المهام المختلفة؛ ففي حديث رؤيا الأذان أن صاحب الرؤيا عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- ذهب بخبرها للرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم أن الأذان يحتاج إلى مَن هو ندي الصوت، وهذه ملكة توهب من الله؛ لذلك لم يكلِّف عبد الله بن زيد بالآذان رغم أنه صاحب الرؤيا، وهي كرامة له من بين الصحابة - مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد رأى مثله، بل وجَّهه إلى بلال -رضي الله عنه-؛ كونه أندى منه صوتًا وَفْقًا لقدراته الصوتية التي يفوق فيها غيره، فلم يكن هنا مجال للمحاباة، بل الأمر تعلَّق بمراعاة القدرات المناسبة للمهمة.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.