كتبه/ مصطفى حلمي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
أهم الوقائع التاريخية لبني إسرائيل:
سنقتصر على أهم الوقائع التاريخية لبني إسرائيل بغية الإجابة عن السؤال التالي: هل أقاموا قديمًا حضارة مستقرة بفلسطين، وكانت لها صفة الاستمرار، ومن ثَمَّ تصبح دعوى إعادتها مقبولة على ضوء تاريخ الحضارات التي أقامها غيرهم من الأمم؟
وربما كان التطلع إلى إجابة سؤال آخر أهم، وهو: إذا أُقيمت دولة مرة أخرى، هل تلتزم بالقيم الأخلاقية وتُقيم كيانًا حضاريًّا يفيد البشرية، أم تستأنف نشاطها الهدَّام العدائي للأمم والشعوب كدأبها طوال تاريخها، ومن ثَمَّ يصبح مصيرها إلى الزوال ما دامت قائمة على الاستعمار والظلم واغتصاب الأرض -فلسطين- من أهلها الأصليين؟ (زوال إسرائيل حتمية قرآنية، الشيخ أسعد التميمي، ط. المختار الإسلامي بمصر).
إذا بدأنا بتاريخ هجرة يعقوب -عليه السلام- -الملقب بإسرائيل- من بلاد كنعان -فلسطين وما إليها- إلى مصر بسبب المجاعة، قد كان الوزير حينذاك بمصر هو يوسف -عليه السلام-، وظلت سلالات بني إسرائيل بمصر تنعم بالحياة هناك، ثم تغيَّر موقف المصريين القدماء، حيث اتَّخذوا من بني إسرائيل خَدَمًا وعبيدًا.
بَقِيَ بنو إسرائيل كذلك إلى أن أرسل الله -تعالى- إليهم وإلى فرعون وقومه رسولين من نسل "لاوي" -ليفي Levi- أحد أبناء يعقوب، هما موسى وأخوه هارون -عليهما السلام- يدعوانهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة الكواكب وأرواح الموتى والملوك والحيوان والنبات، وظلَّ موسى وفرعون وقومهما في مشادَّات حتى أتيح لموسى -عليه السلام- وقومه الخروج من مصر إلى سيناء، "إنَّ الأمة التي تزول حضارتها عن سطح الأرض وبحضارتها التي زالت معها، بينما الأرض تموت ويَزْوِي نباتها ثم يتيبس ويكون حطامًا؛ ولكنها ترجع في العام التالي إلى الحياة بالنبات الذي كان لها في العام السابق" (الإسلام والتاريخ، الدكتور عمر فروخ).
وخلال أربعين سنة كان بنو إسرائيل يتيهون في صحراء سيناء عقابًا لهم على رفض الانصياع إلى أوامر موسى -عليه السلام- بدخول الأرض المقدَّسة وهي فلسطين (الأسفار المقدسة في الأديان السابقة قبل الإسلام، الدكتور عبد الواحد وافي).
وبعد فناء هذا الجيل الجبان، نشأ جيل آخر تَمَرَّس بشؤون القتال، فأكمل الله -تعالى- دينهم، وأتمَّ عليهم نعمته بعد أن تلقَّى موسى -عليه السلام- من ربه -تبارك وتعالى- التوراة، ثم جاء الانتصار على يد يوشع -خليفة موسى -عليه السلام- بعد وفاته- على بلاد كنعان وفلسطين.
ويرى جوستاف لوبون أنه: "لم يكن هنالك فتح بالمعنى الصحيح على الرغم من أقاصيص مؤرِّخيهم المملوءة انتفاخًا ومن تعداد الانتصارات وتقتيل الأهالي وانهيار أريحا" (اليهود في تاريخ الحضارات الأولى، جوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر).
ويدلِّل لوبون على مدى تضخيم الانتصارات بقوله: "إنَّ من يقرأ سفر صموئيل وسفر القضاة بشيء من روح النقد يبصر دور العَنَت الذي جاوزه بنو إسرائيل في استقرارهم بفلسطين، غير أنَّ هذه الأقاصيص نفسها إذا ما نُظر إليها من خلال أبخرة الحماسة الدينية ألقت في النفوس وهمًا قائلًا: إنَّ ذلك الفتح ساطع معجز!".
ويفسِّر سبب نجاح بني إسرائيل بانقسام العشائر الكنعانية قائلًا: "ويفسِّر انقسام العشائر الكنعانية الكبير حقيقة النجاح الذي ناله بنو إسرائيل القليلو الذوق والضعيفو الأهليَّة للحرب والسيئُو السلاح" (المرجع السابق)، "ولا يقرُّ لهم بإنشاء أمة إلا ببداية شاول -أو طالوت-؛ فاستحقُّوا أن تُفتح لهم صفحة صغيرة من التاريخ الحقيقي الذي كان لهم في العالم".
ولا يقرُّ جوستاف لوبون لبني إسرائيل بإسهامهم في أيَّة حضارة، معلِّلًا ذلك بأنَّ فلسطين -أو أرض الميعاد- لم تكن غير بيئة مختلفة لهم، فالبادية كانت الوطن الحقيقي لهم (المرجع السابق)، يقول: "لم يكن لليهود فنون ولا علوم ولا صناعة، ولا أيُّ شيء تقوم به حضارة".
ويحدِّد بداية تاريخ اليهود الحقيقي في عهد ملوكهم، وربما يقصد بذلك الفترة التاريخية التي أصبح فيها رؤساؤهم ملوكًا ذوي سلطان كبير، ومنهم داود وسليمان -عليهما السلام- بعد أن كان رؤساؤهم السياسيون هم القضاة. (الأسفار المقدسة للدكتور وافي).
"بلا شك كان انتصار يوشع بن نون عظيمًا، والأنبياء وأتباعهم الصادقون يزدادون تواضعًا عند النصر، ولكن الأسفار المحرَّفة وصفت انتصارات أنبيائهم بنفس الطريقة التي كانت الأمم الكافرة تصف بها انتصاراتها من فخر وخيلاء، وإفساد للحرث والنسل. (تعليق: جريدة الفتح)".
أمَّا النكبات التي حلَّت بهم؛ فإنَّ من أشهرها: غارة «بختنصر» ملك «بابل» في سنتي 596 و587 ق.م، بما يُعرف في التاريخ "بنفي بابل"، حيث ظلُّوا في الأسر زهاء خمسين سنة حتى تغلَّب "قورش" ملك الفرس على البابليين سنة 538 ق.م، فوقعوا تحت سيطرة الفرس زهاء قرنين كاملين، ثم تحت سيطرة المقدونيين خلفاء "الإسكندر الأكبر"، ثم تحت سيطرة الرومان، وعندما قاموا بثورة في عهد الإمبراطور "أدريان" سنة 135م، أخمد الرومان ثورتهم وأخرجوهم من ديارهم، فأصبحوا مشتَّتين في مختلف بقاع الأرض. (المرجع السابق).
وإذا عدنا إلى الفترة التي سمح لهم «قورش» بدخول فلسطين، وإعادة بناء هيكلهم، فإنَّهم لم يتمتَّعوا خلالها باستقلال حقيقي؛ لأنَّهم كانوا مُهدَّدين من قبل ملوك فارس الذين كان يساورهم الريب حول كل حجر يُضاف إلى الأسوار، آمرين قساة بوقف العمل في غير مرة (اليهود في تاريخ الحضارات، جوستاف لوبون)؛ لهذا حَقَّ لجوستاف لوبون في تأريخه للحضارات والأمم أن يستخلص أنَّ استقلال اليهود لم يكن غير اسمي، ويستطرد فيقول: "وما فتئ الفرس والأغارقة والرومان يبسطون سلطانهم المرهوب بالتتابع على تلك المملكة الهزيلة، فتتميَّز هذه المملكة غيظًا من هذا الاستعباد المتصل، فلا تجد ما تتعزَّى به عن عجزها سوى إلقاء فارغ الخطب" (المرجع السابق).
ويبدو أنَّ لوبون اكتفى بظاهر الوقائع والأحداث، ولم يتتبَّع النشاط الخفي لليهود طوال تاريخهم؛ إذ من دأبهم العمل من وراء الستار وتكوين الجمعيات السرية التي تضمُّ لها الشخصيات من ذوي النفوذ والسلطان، وتعويض النقص في عددهم باستخدام غيرهم من أعضاء الأحزاب والجماعات والأندية.
لكن المتتبِّع لأنشطتهم الخفية يقف على محاولاتهم الدائبة للاستحواذ على الثروات، والسيطرة على الأمم، وسعيهم الحثيث للوصول إلى مراكز السلطة السياسية، فضلًا عن مسؤولياتهم عن الكثير من الثورات والحروب في تاريخ العالم.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.