الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 12 أغسطس 2025 - 18 صفر 1447هـ

الألباني.. إمامُ الحديث في العصر الحديث (7)

كتبه/ ساري مراجع الصنقري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلَم يمكث الحاج نوح بأهلِه وأولادِه في هذه الغُرفِ -التي كانت سكنًا مُؤقَّتًا- إلا سنتَين، (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) (النساء: 100)، فقد بدأت رحلةُ السَّعةِ لمّا استأجر الحاج نوح دارًا ثُمَّ استأجر دُكّانًا لإصلاح السَّاعات، وكان قد تعلَّم مهنة إصلاح ساعات الأبراج وساعات العُب قبل ذلك في فيينا بالنِّمسا.

ولَم يكن الدُّكّانُ دُكّانًا بمعناه الحقيقيّ، وإنَّما استأجر نصفَ دُكّانٍ، والدُّكّانُ كان لِرجُلٍ يهوديٍّ مُسِنٍّ إسكافيٍّ حذّاء، يعمل بمهنة إصلاح الأحذية، وكان الدُّكّانُ مكشوفًا، فغطَّاه الحاج نوح، واتَّخَذ زاويةً منه لِيُزاوِلَ فيها مِهنتَه.

ثم انتقل الحاج نوح بعدها إلى دُكّانٍ آخَر، وكان صغيرًا أيضًا، لكنَّه كان مُستقِلًّا، استأجره مِن الأوقاف، وكان الحاج نوح ماهرًا في مهنته، فاشترى مِن ربح الدُّكّانِ دارًا في مَحَلَّةِ حُكْرِ السَّرايا بمنطقةِ العُقيبة، أمّا المالُ الذي باع به دارَه في إشقودرة فقد نفد في تكاليف هذه الهجرة، والتي كانت هجرةً في سبيلِ الله، كما كان يقول الشَّيخُ الألباني، حيث قال: (أبي كان ساعاتيًّا؛ بالإضافةِ إلى أنَّه كان شيخًا، وإن قلتُ عالِمًا في الفقهِ الحنفيِّ فمَجازًا، وكان إمامًا في بلدِه، وكانت أخلاقُه طيِّبةً، كان عفيفًا، نزيهَ النَّفْس، وهاجر في سبيلِ اللهِ مِن ألبانيا إلى بلادِ الشَّامِ المُقدَّسة، فلمَّا جاء إلى دمشقَ لَم يكن معه وَفْرٌ مِن المال، فكانت عنده دارٌ فباعها وسافر بأهلِه بقيمتِها حتَّى وصل إلى دمشق).

وكان دُكّانُ الأوقافِ يقابل جامعَ التَّوبة، الذي يقع خارج أسوار مدينة دمشق القديمة من النَّاحية الشَّمالية، المجاورة لباب الفراديس بِمَحلَّةِ العُقيبة، ولِمَحَلَّةِ العمارة، وقد بناه الملكُ الأَيُّوبِيُّ الأشرفُ موسى عام ??? هـ، الذي حوَّله إلى مسجدٍ بعد أن كان خانًا يُسمَّى خان الزِّنجاري، وبناه على غِرار المسجد الأُمَوِيّ، وكان أكبرَ مدرسةٍ دينيَّةٍ بعده.

وكان لِمسجدِ التَّوبةِ مِحرابان، محرابٌ لِلحنفيَّة، وآخَرُ لِلشَّافعيَّة، وكان يَؤُمُّ الحنفيَّةَ وقتَها الشَّيخُ محمد سعيد البُرهاني، الذي كان إمامَ الحنفيَّةِ هناك، أمَّا المسجدُ الأُمَوِيُّ فله أربعةُ محاريب، لِلحنفيَّةِ والمالكيَّةِ والشَّافعيَّةِ والحنابلةِ، وإن كانت هذه المحاريبُ لا تَزالُ موجودةً، إلا أنَّه تعطَّل العملُ بها، إلا في المحرابِ الحنفيِّ والمحرابِ الشَّافعيّ، وكان أصحابُ هذه المذاهبِ -وخصوصًا الحنفيَّة- يقولون بعدمِ جوازِ الصَّلاةِ خلفَ الإمامِ المُخالِفِ لِلمَذهب.

وإلى لقاءٍ آخَر -بإذنِ الله-.

واللهُ المُوَفِّقُ؛ لا إلهَ غَيْرُه، ولا رَبَّ سِوَاه.