الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد أقدم أكثر من 1400 من قطعان المستوطنين، يقودهم المتطرف الفاشي وزير الأمن القومي للكيان المحتل "بن غفير" -مع عدد كبير من نواب الكنيست والوزراء- على اقتحام باحات المسجد الأقصى من باب المغاربة.
ورغم أن هذا هو "الاقتحام التاسع"؛ الذي يقوده الوزير الصهيوني المتطرف؛ إلا أنها المرة الأولى التي تسمح فيها الشرطة الصهيونية لهؤلاء القطعان بالقيام بالصلوات التلمودية، ورفع العَلَم الإسرائيلي في باحات المسجد الأقصى، وقد كانت تمنعهم قبل ذلك.
ولم يقف الأمر عند حدِّ الاعتداء والتدنيس للمسجد الأقصى فحسب، بل طافت قطعان المستوطنين في شوارع المدينة القديمة يهاجمون المقدسيين، ويعتدون عليهم بالأيدي والسباب، وتحطيم الممتلكات، بل صاحوا في مظاهراتهم الهمجية بصيحات التطرف والعنصرية كترجمة لعقيدتهم التي ترى تميزهم عن سائر الأجناس، فصاحت قطعان المستوطنين: "لنسوِّ غزة بالأرض"، و"مات محمد" -عليهم من الله ما يستحقون-.
ونحن نقول لهم: إن علوَّكم في الأرض مؤقت، وبغيكم مردود في نحوركم، ومصيركم هو مصير كل جبار عنيد سبقكم، ولن تعدوا قدركم؛ قال -تعالى-: (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ . يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) (إبراهيم: 15-17).
إن اقتحام قطعان المستوطنين ووزيرهم المأفون المسجد الأقصى في ذكرى احتلالهم للقدس الشرقية وضمها للقدس الغربية، وفي الوقت الذي يعبث فيه جيشهم في غزة ولبنان وسوريا آملين في تصفية القضية الفلسطينية، وأن يبتلعوا المزيد من الأراضي؛ لن يفلح -بإذن الله-؛ فقد غابت القدس والأقصى في يد جحافل الصليبيين قرابة المائة عام، ثم عادت إلى أكناف الأمة الإسلاميَّة على يد صلاح الدين -رحمه الله- وثلة من الصالحين، جاهدوا في ساحات القتال حقَّ الجهاد، وكانت معسكراتهم يُتلى فيها القرآن، ويُقرأ فيها صحيح البخاري.
ونحن نهيب بدولنا العربية والإسلاميَّة: التصدي لهذه الهجمات المتصاعدة والاعتداءات غير المسبوقة، وتدنيس المسجد الأقصى بصلواتهم التلمودية وراياتهم القبيحة.
آن لدولنا العربية والإسلاميَّة أن تسخِّر طاقاتها وإمكاناتها لردع هذا العدو الغاشم الذي أراق دماء عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة وحدها خلال الأشهر السابقة فقط، وها هو يستعد لتصعيد جديد في غزة، فمن أَمِنَ العقوبة أَبَادَ الأبرياء ولم يلتفت.
لم يعد مستوعبًا أن تبادر بعض الدول للدخول في معاهدات إبراهيمية -وإبراهيم -عليه السلام منها براء- للتطبيع مع الكيان المحتل!
لم يعد مستوعبًا أن تبادر بعض الدول لعقد معاهدات اقتصادية، فتدعم اقتصاد دولة الاحتلال وتساعدهم على تمويل إجرامهم!
إن تصاعد الأصوات العالمية التي تدين الإجرام الصهيوني فرصة لدولنا العربية والإسلاميَّة أن توحِّد جهودها، وتستثمر إمكاناتها؛ لردع الإجرام الصهيوني، وعدم الاعتماد على التدخل الأمريكي، والذي لم نرَ منه إلا الدعم المطلق لحرب الإبادة الصهيونية على شعبنا في غزة، وتلقيم المدافع التي يطلق منها الصهاينة نيرانهم على شعبنا الأعزل في فلسطين.
ألا تستطيع الدول العربية والإسلاميَّة أن تحاصر الصهاينة سياسيًّا واقتصاديًّا ودبلوماسيًّا، دفاعًا عن المسجد الأقصى ورفع الظلم عن الأبرياء المستضعفين؟!
تستطيع -بلا شك- إن توحَّدت، وأدَّت ما عليها من نصرة المستضعفين من إخوانهم.
إن طريق النصر واضح يوقن به المؤمنون، قد وضَّح الشرع أسبابه وطرقه في الكتاب والسُّنة، فحين تعود الأمة لربها أفرادًا وأُسَرًا ومجتمعات، بالتوبة والعمل الصالح، وحين يقوم الدعاة بدورهم في النصح والإرشاد، وحين نعود للعمل بالكتاب والسنة، وحين نترك أسباب الخذلان من الذل والمهانة والمعاصي والمنكرات، واتباع أعداء الله والمسارعة فيهم، حين نقيم تلك المعاني فإن نصر الله قريب؛ قال -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 55).
وإنَّا نلجأ إلى الله العزيز القهار، المنتقم الجبار، شديد العقاب، أن ينتقم من الصهاينة المجرمين، وأن يجعل كيدهم في نحورهم، وأن ينصرنا عليهم، وأن يكف بأسهم عن المسلمين؛ فهو أشد بأسًا، وأشد تنكيلًا.
الدعوة السلفية بمصر
الثلاثاء 29 ذي القعدة 1446هـ
27 مايو 2025م