كتبه/ خالد آل رحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فآية في كتاب الله -عز وجل- يجب التوقف عندها كثيرًا تأملًا وتدبرًا؛ حيث قال الله -سبحانه وتعالى- عن فرعون وآله: (فَما بَكَت عَلَيهِمُ السَّماءُ وَالأَرضُ وَما كانوا مُنظَرينَ) (الدخان: ??)، وإن كانت الآيات أنزلت في فرعون وعصابته، لكن القاعدة تقول: "إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"؛ ولهذا فالسماء والأرض لا تبكيان لموت كافر مفرِّط بعيد عن منهج الله -تعالى-؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (العبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب (بخاري ومسلم)
قال العثيمين -رحمه الله- في الدر الثمين: "أي: لم تعظم مصيبتهم ولم يحزن على فقدهم أحد، ولا تأثر بموتهم كائن من الخلق".
قال الطبري -رحمه الله-: "فذلك قوله لأهل معصيته؛ لأنهما يبكيان على أولياء الله. وعن الحسن قال: فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين، يعني: فما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض".
قال العثيمين -رحمه الله-: "لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم، ويوجب عليهم اللعنة والمقت من رب العالمين".
وقال ابن جزي -رحمه الله-: "أنه عبارة عن تحقيرهم، وذلك أن العرب إذا مات رجل خطير قالت في تعظيمه: بكت عليه السماء والأرض".
وقال القصاب -رحمه الله-: "دليل على أن في الناس من يبكيان عليه؛ إذ لا يخص أولئك بذلك ويجعله عقوبة لهم إلا وغيرهم مكرم به".
وروى ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: أتى ابن عباس -رضي الله عنهما- رجل فقال: "يا أبا العباس أرأيت قول الله -تعالى-: (فَما بَكَت عَلَيهِمُ السَّماءُ وَالأَرضُ وَما كانوا مُنظَرينَ) فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال -رضي الله عنه-: نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن أغلق بابه في السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه ففقده فبكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها، ويذكر الله -عز وجل- فيها بكت عليه".
قال الأوزاعي -رحمه الله-: "حدثني عطاء الخراساني: ما من عبد يسجد لله سجده في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت.
وقال البغوي -رحمه الله-: "إن المؤمن إذا مات تبكي عليه السماء والأرض أربعين صباحًا".
فكن عبد الله ممَّن تبكيه السماء والأرض، ولا يكون ذلك إلا بطاعة الله -عز وجل- ونصرة الدِّين، وترك آثار تصعد للسماء تدوَّن في صحيفتك، وتبقى على الأرض شاهدة لك؛ عندئذٍ تنال هذا الشرف، ولا تكن الآخر الذي فرَّط واتبع هواه فمضى، ولم يُذكر لا في أرض ولا سماء.
والله من وراء القصد.