كتبه/ غريب أبو الحسن
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد خرج علينا "طارق السويدان" في إحدى القاعات بدولة الكويت -في مؤتمر يبدو أنه لدعم قطاع غزة- بخطاب إخواني عقيم وبسردية إخوانية بائسة؛ خرج علينا ليتجر في القضية الفلسطينية، ويستخدمها لخدمة أهداف جماعة الإخوان الضيقة التي اعتادت على الشماتة والكذب والبهتان، وعلى المتاجرة بمصائب الناس، واستغلال آلامهم لتحقيق مصالحها الضيقة.
زعم السويدان أنه يدعم القضية الفلسطينية؛ فبدأ كلمته بالثناء على عالم الفيزياء الملحد "ستيفن هوكنج"، بل أشهر ملحد في العصر الحديث! ثم أثنى على لاعب كرة القدم "رونالدو"، ثم أثنى على إحدى الكنائس البروتستنتية لبعض مواقفهم المعارضة للصهيونية، أو التي قدَّموا فيها بعض الدعم المادي للمشروعات الخدمية في غزة.
ثم انعطف سريعًا لذم الدولة المصرية، وما سمَّاه: "السلطة الانقلابية"، وأنها تحاصر غزة! ثم عرج سريعًا أيضًا على مَن سماهم "علماء السلطان" الذين يبررون الظلم للطواغيت، ثم سرح بخياله بعيدًا، وقال: إنه لو أن "مرسي" في الحكم ما حدث لغزة ما حدث.
ثم وجَّه الناس لمقاومة الطواغيت وفضح علماء السلطان، ودعا بعنترية -لا تتناسب مع غترته المكوية المنسقة- إلى عدم وقف إطلاق النار في غزة، وأن كل يوم يمر هو يعجل بدمار إسرائيل.
ثم دعا الحاضرات لعدم الاكتفاء بدعم المقاومة، وطالبهن أن يكن هن مقاومات، وطلب منهن أن يضعن خُطَّة لزوال دولة إسرائيل، وسط تصفيق الحاضرات.
لك -أيها القارئ- أن تستخرج من كلمته خلاصة "فكر الإخوان العقيم" الذي ابتُلِيت به الأمة؛ من: الثناء على أهل الضلال ليسب أهل ملته، دون حتى أن يبيِّن أن ستيفن هوكنج هو من أكابر الملحدين! ولا زلنا نذكر هتافهم الماجن في المظاهرات: "جزمة جان بمائة حسان!".
ثم ستلمح منهج الإخوان الأصيل في الكذب على الناس، والزعم أن مصر هي من تحاصر غزة، وهي رواية إخوانية آثمة؛ الغرض منها: تشويه السلطة التي هي في صراع معها؛ فعداء السلطة -أي سلطة ليست جماعة الإخوان جزء منها- هي منهج أصيل عند جماعة الإخوان؛ تلك العداوة التي زرعتها جماعة الإخوان في أجيال من التيار الإسلامي، وبالتالي عدم قبول أي حق من السلطة وتشويه صورتها، وتحويل أي خير تقوم به السلطة إلى أنه مؤامرة!
تلك العقلية الإخوانية التي ترفض أن يحدث تقارب بين السلطة وأصحاب السمت الإسلامي، أو بينها والشعب؛ لأنها ترى في ذلك التقارب حكمًا بالإعدام على فكر جماعة الإخوان، والتي تقدم نفسها على أنها بديل للسلطة؛ لذلك هي تنزعج من أي تحسن في أداء السلطة أو إنجاز تقوم به السلطة، وكل ما تريده أن تظل نار العداوة مشتعلة بين السلطات والشعوب، ليظل الإخوان يلوحون من الخلف بأنهم هم الحل الوحيد لمشاكل الأمة.
ثم لم ينسَ "السويدان" أن يذم العلماء باعتبارهم علماء السلطان، وهذا أيضًا من منهج الإخوان؛ وهو: الذم لكل عالم وداعية ممَّن لا يدعمهم ولا يراهم هم أمل الأمة؛ وذلك لأن جماعة الإخوان ترى أنها الممثل الوحيد للإسلام، والمعبر الوحيد عنه، بل ترى نفسها هي جماعة المسلمين! لذلك لا بد من تشويه أي عالم أو داعية غير محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، ولا يدعم فشلها وفشل قيادتها المتعاقب.
ثم تراه يدعو لعدم وقف إطلاق النار، دون أي شعور من تأنيب الضمير على تلك الدماء التي تسيل ليل نهار، وهي لا تجد من الأنفاق ما يحميها من القصف الهمجي لجيش الكيان الصهيوني، ولا أدري من أين أتى بهذه الجرأة في رفض وقف إطلاق النار؛ في الوقت الذي تتفاوض فيه المقاومة لوقف إطلاق النار، والذي يقابل بتعنت ورفض صهيوني.
وكعادة الإخوان في الاستهانة بدماء المسلمين، واعتبار أن تلك الدماء التي تسال تحقق النصر، وهو عين ما قاله مجرمو الإخوان في اعتصام رابعة: "وإيه يعني الدماء تسيل... كلما سالت الدماء التف الناس حولنا!".
وهذا فرع على تقسيم الناس تقسيمهم القطبي الشهير؛ أن هناك مَن عَلِمَ القطبيون إسلامه، وهناك مَن عرفوا كفره، وهناك كتلة متميعة مجهولة الحكم، والتطبيق العملي لهذا الفكر أنه يتم اعتبار دماء تلك الكتلة مجهولة الحكم على أنها دماء في مرتبة أدنى!
بهذه البساطة يدعو لعدم وقف إطلاق النار، وهو الذي يخاطب الناس في قاعته المكيفة والتي لو توقف تكييفها ربما لم يتحمل خمس دقائق هو ومستمعاته اللاتي يصفقن له!
ثم يختم كلامه بالمبالغة المعتادة التي تمارسها جماعة الإخوان مع قياداتها أو مواقفها، وتحاول أن تلبس قادتها المتيبسة والبائسة ثوب القداسة والنبل، وهو يدرك تمامًا أن جماعة الإخوان ظلت عامًا كاملًا في السلطة ولم تلغِ اتفاقية "كامب ديفيد"، ولم تأخذ أي موقف تجاه إسرائيل، بل خاطب مرسي رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها، وقال: "عزيزي بيريز!".
مع الوقت تتأكد أن تلك الأحقاد في صدور أبناء تلك الجماعة لا تتوقف ولا تقل، وأن تلك العقلية التي جعلتهم منبوذين مطاردين لم تتغير، وأنهم حريصون على إشعال نار العداوة بين الشعوب وسلطات الدول؛ لتظل معركة الأحقاد دائرة حتى يأتي الإخوان على فرسهم الأبيض لينقذوا تلك الشعوب من نير ظلم السلطات، ولا يدرون أن حصانهم الأبيض لا يتجاوز كونه حمارة عرجاء!
وسيظل الإخوان يشوهون كل العلماء والدعاة الذين لا يؤيدون مواقفهم البائسة، ويتهمون كل من لم ينضم إلى معسكر جماعة الإخوان ويصفونهم بالعمالة والخيانة، محاولين صرف الناس ليستمعوا لرموز الإخوان؛ عقيمة الفكر، سليطة اللسان.
سيظل الإخوان "وأمثال السويدان" يدعون لعدم وقف إطلاق النار، ثم يبكون دماء الفلسطينيين ويسبون الحكام! تمامًا كما حدث في "اعتصام رابعة"؛ حيث كانوا يحشدون الناس ويدعونهم للشهادة في سبيل الله، ثم يأمرون أتباعهم بالهروب في الممرات الآمنة، ثم يتركون الناس ليلاقوا مصيرهم، ليخرجوا بعد ذلك للتجارة بدمائهم.
إن كل ذي عينين يبصر جيدًا: مَن يقف مع القضية الفلسطينية ومن يدعمها.
إن كل ذي عينين يبصر: دور مصر على مدار العقود في الوقوف في وجه الغطرسة الصهيونية في حروب مباشرة، وحروب دبلوماسية، وقطع الطريق أمام الطموحات الصهيونية.
وها هي مصر تقف منفردة تقريبًا في وجه المخطط الصهيوني؛ في الوقت الذي هرولت فيه العديد من الدول نحو التطبيع، ونحو إقامة علاقات اقتصادية ودبلوماسية كاملة مع العدو الصهيوني، ولكن عين السويدان الإخوانية لا تبصر إلا من خلال سرديات الإخوان البائسة.
إن كل ذي عينين يبصر: كيف جاد الشعب المصري بالكثير من قوته، القليل لنصرة شعبنا في فلسطين؛ فانطلقت آلاف الشاحنات لتغيث الملهوفين هناك.
إن كل ذي عينين يعلم: أن مَن يغلق المعابر هم الصهاينة، وأن المغامرة بدخول الشاحنات حين تغلق المعابر من الطرف الصهيوني قد يعني قصف تلك الشاحنات.
إن كل ذي عينين يبصر: موازين القوى، ويبصر كيف اصطفت الدول الغربية وأمريكا في البحر المتوسط، وفي القواعد العسكرية؛ نصرة للصهاينة.
ولو خرج السويدان خارج القاعة التي ألقى فيها خطبته العصماء؛ لأبصر تلك القواعد، ولكنه يعلم أن لسانه غير مسموح له أن يتطاول إلا على بعد 1657 كيلو متر من مكان قاعته!
إن خطورة ما يمثِّله طارق السويدان وخلفه جماعة "الإخوان المسلمين" وكل مَن استقى فكره من أدبيات سيد قطب، تكمن في خلخلة المجتمعات وتفتيت نسيجها، بشحن الشعوب تجاه حكوماتها، ودق الأسافين بين الشعوب وحكوماتها، وبين الشعوب والعلماء والدعاة المختلفين مع جماعة الإخوان فكريًّا وسياسيًّا، ثم عدم قبول أي خير تقوم به هذه السلطات، بل تشويه ذلك الخير ووصفه بأنه لا يعدو أن يكون مؤامرة، ثم اتهام كل من لم يعادِ سلطات بلاده بالخيانة، وأنه شيطان أخرس، وأنه عميل!
وإنك لتعجب من الإخوان من ساكني لندن وتركيا؛ إذ تجدهم مطبعين مع الواقع تمامًا حيث يوجَدون في تركيا ولندن؛ فهل إخوان تركيا ولندن شياطين خرس أيضًا؟! أم أن الصمت لو كان من الإخوان سيوصف بأنه عين الحكمة؟!
آن لأبناء التيار الإسلامي أن يتخلصوا من إرث جماعة الإخوان، الباغية في تعاملها مع السلطات في البلاد العربية، ومن إرثها في تشويه صورة العلماء والدعاة المختلفين معها، وأن يتخلصوا من وصف جماعة الإخوان وحلفائها لمجتمعهم أنه مجتمع جاهلي، وأن يقبلوا الحق والخير ممن جاء به، وأن ينكروا الباطل ممن جاء به، وأن يجيبوا من يدعوهم لخطة يعظم فيها الشرع، وأن يكونوا سببًا في تماسك مجتمعاتهم، وفي تكثير الخير وتقليل الشر، وأن يزِنوا الرجال والهيئات بميزان العدل لا الهوى.
اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم سدد رميهم، ووحِّد صفهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم كل من أراد ببلدنا سوءًا؛ فأشغله بنفسه.